الفصل الرابع عشر

53 4 0
                                    

الفصل الرابع عشر
مر يومان هدأت بهم الأمور أكثر وقرر أسامة بدأ رحلة علاجها، جلس أسامة أمامها على الأريكة واردف قائلًا:
_ أمل قولي كده أسامة
_ أأ.. أسامة
أمسك يدها واردف بحنان:
_ لا مش كده أسامة قولي كده ورايا أسامة
وظل يرددها عدت مرات وهي تقولها بتقطع ثم اردفت بملل وهي تزم شفتيها:
_ أسامة
ابتسم أسامة باتساع بل ضحك عاليًا على مظهرها واردف قائلا:
_ مرة كمان كده
نظرت له بغيظ واردف قائلة:
_ أسامة
ابتسم بحب واردف قائلا:
_ قلبه وروحه ابتسمت أمل وهي تنظر له براحة وسكينة تملكت روحها منذ أن أصبح معها فأردفت بخفوت:
_ بب.. بحبك
نظر لها بسكون وهو يمسك بيدها بين كفيه واردف:
_ بحبِّك
دلفت والدته بيدها بعض الطعام وضعته على المنضدة وفتحت زراعيها فارتمت أمل بين أحضانها وهي تضحك ابتسمت والدته واردفت قائلة:
_ الواد ده دايقك
نظرت أمل لأسامة الذي رفع حاجبه لأعلى باستهجان واردفت قائلة:
_ ب... بيخليني... ا.. أقول... أسامة.. ك.. كتير.. و.. وأنا.. ز... زهقت
وزمت شفتيها في آخر جملتها فوقف أسامة أمامها وهو يعقد يديه على صدره واردف بابتسامة:
_ ممكن عشان بحب اسمع اسمي منك
لكزته والدته في كتفه فتأوه بألم مصطنع واردف قائلًا:
_ أي يا حجه
جلست وهي تحتضن امل واردفت قائلة:
_ اتلم
ثم نظرت لأمل وهي تعطيها أحد الفطائر واردفت قائلة:
_ يلا يا قلبي كلي
_ م.. مش... ع.. عاوزة
_ يلا مينفعش ولا عايزة تزعلي ماما
قبلت أمل خدها واردفت وهي تتناول الفطيرة:
_ ل.. لا.. ه.. هاكل.. ا.. أهو.. ي.. يا.. مم.. ماما
اردف أسامة بدهشة:
_ ماما!
_ ا.. اه.. م.. ماما.. ليا
شرد أسامة وهو يتذكر صراخها كل ليلة وهي تنادي على والدتها يبدو أن هناك ما لم يعرفه عنها بعد، وقف يتابعها وهي تتناول طعامها كم كانت تبدو كالطفلة بالنسبة له، غرق في تفاصيلها وتصرفاتها، ضحكتها، كل شيء بها كان يأثره....
كانت كالأسيرة، بل هي أسيرة بالفعل، أسيرة لدى وحش يراه الناس ملاك، في ركن الغرفة وعلى الاريكة تجلس تضم ركبتيها لصدرها تنظر أمامها بشرود وعينين تائهة، ما لاقته الأيام الماضية لم يكن سهلا، خسرت كل شيء، نفسها وجمالها، حتى روحها أسلبها اياها، لم يبقى شيء سوى ذكرى، ذكرى من أحدهم كان كل شيء لها، أغمضت عينيها فرأته أمامها بابتسامته المعهودة ونظرته التي كان يحاول دائمًا اخفاءها عنها، لم تهبط منها دمعة واحدة وكأن دموعها جفت، دلف هو إلى الغرفة وبيده شيء لم تتبين هيئته في تلك الظلمة التي تحيط بها، ظلت نهى ساكنة في مكانها لم تتحرك شيء وهي تنظر له بثبات وهو ينظر لها بتحدي، رغم الاشمئزاز منه بداخلها إلا أن معالم وجهها لم تبدي أي رد فعل، جذبها مدحت من شعرها بقوة فصرخت، ألقاها هو أرضًا بقوة  فاصطدمت رأسها بالأرض وبدأت تنزف لم تكد تعي ما حدث حتى بدأ يهبط على جسدها بالسواط واردف مدحت قائلًا: 
_ فاكرة عشان سبتك يومين أني تعبت ده مستحيل
فصرخت نهى من بين صراخها المتألم:
‌_ أنا بكرهك، بكرهك، ربنا ينتقم منك
ظل ينهال عليها بالضرب كالوحش حتى فقدت الوعي غارقة بدمائها وقف ينظر لها وهو ينهج من فرط مجهوده وعلى شفتيه ابتسامة مريضة...
أما بعيدًا عن كل هذا في غرفة صغيرة وبسيطة بها فقط فراش صغير ومصباح خافت يضيئها وفي ركن منها بوتاجاز صغير الحجم به شعلة واحدة وكوبان وطبق، وتعج الغرفة برائحة القهوة، وفي ركن منها يجلس على الأرض مستند بظهره على الفراش والورق ملقى أرضا بإهمال وهو يمسك بيده ورقة وقلم وبجواره  كوب قهوة لا يعرف عدده، أنهى تخطيطه لملامح وجهها وبدأ يدون أسفل وجهها الذي رسمه للتو ما قد يعبر عما يحمله قلبه من عشق وألم:
_"لنظرة عينيك ذكرى أرهقت عقلي، ولنبرة صوتك نغمة جعلت من روحي طائر يغني، رحلتِ وتركتِ قلبًا هائمًا وتائهًا يبحث عنك، مازال عقلي يذكرني ببسمتك، ومازالت عيناي ترى عينيك، يلومني قلبي على تركك لا يعرف أنه لو كان بإرادتي لأدخلتك داخله، وجعلت روحي مسكنٍ لكِ"
وترك الورقة من يده ينظر لسقف الغرفة بشرود يتذكر نظرتها له يوم زفافها، كأنها تقول خذني، انقذني؛ ولكنه تجاهل ندائها وها هو الآن يبكي قلبه قبل عينيه..

ضحية مرض"مكتملة" Where stories live. Discover now