CH10

297 45 16
                                    

..

مضى عشاء سالومي وأوسان بأحاديث كثيرة ومختلطة تتداخل ببعضها، حتى ان انقضى حديث لا يذكرانه، واستمرت الأفكار تتطاير بينهما حتى في طريق عودتهما الى البيت..

قبل ان يودعها عند باب بيتها وبرغم ازدحام احاديث العشاء العشوائية ما زال يهذي بشِعرها وبوصفها-

ويستحي ان يطلب منها الحديث اكثر عن ذلك الشِعر فقد طال الليل وطال الكلام ولم تقل اي شعر اضافي..

احس انه خذلها، فسكتت عن البوح.

"اسمعك أوسان" قالت وكأنها تسمع الضجيج في رأسه

"ماذا؟"

"لا تطل التفكير، ان كنت تريد قوله فقله، اوشك الليل ان يهرب"

"هل انتِ شاعرة حقًا؟"

"ليس بكل ما في الكلمة من معنى، لكن ان اصابني الالهام أقول كلمات مرتبة"

"ما الذي الهمك مؤخرًا لتقولي؟"

"انتَ"

"انا؟"

"انت أوسان"

احست بشيء من الحياء لاعترافها بشكل مباشر، فأعطته ظهرها تشغل نفسها بمفتاح بابها-

"من أي ناحية؟ أعني كيف؟ كيف انا؟" عاد لارتباكه وفقد سلاسة تعابيره

تركت المفتاح وتركت الباب نصف مفتوح، قلبها مفتوح بالكامل وعينها تستحي النظر اليه والمبادرة بالمزيد، فهربت الى اصابعها المتشابكة فوق حقيبة يدها، قالت-

"ذاك اليوم حين رأيتك اول مرة، كان يومًا ثقيلًا مزدحم بالبشر، يضج بالأصوات المتفاوتة بين الضجيج المزعج والرقيق المنفر، ظننته يومًا من تلك الأيام العادية التي تمر بسلام بعد ان وجدت الطريق اخيرًا وسط الضياع، ثم تكتشف انك ما تزال تائهًا حتى يظهر من بين الحشود طريق جديد- مشهد اسكت كل الأصوات واخفى كل الوجوه، فُتحت بوابة لبستان الجنة ومنها يعبر هذا الراعي الشاب، يقترب بخفة وكأنه محمول فوق غيمة، وله وجه مضيء، النظر اليه راحة، وبالراحة الصامتة فتنة تشتد ان تكلم. فعندما ينطق بكلامه يُشعرك بلذة الاستماع لأغنيتك المفضلة عبر الراديو، صوته اغنية تدور في عقلها على تكرار، وعقلها المفتون يحكم على جسدها ان ينغمس بجمالية هذه الفتنة. وبرتقال بستانه قُطف وعُصر في مغطس حجري، فتنزل هي عاصية ناكرة لحقيقة العشق، ليعمّد قلبها بشرابه وتَخرج منه مؤمنة مغسولة من ذنبها بالكفر في دين العشق، الليلة أصبحت مؤمنة وأصبح القلب مع سيده.. انها عاشقة.. وأنا صليت، آمين"

عادت تنظر اليه، مذهولًا مأخوذًا بسحر كلامها، فقالت معترفة-

"لا يهمني ان تصدق ما أقول او تقيسه على نفسك بقدر ما تهمني فكرة وجودك أوسان، فحتى لو لم يشبهك ما نسجتُه من وجودك- ما زلت مؤمنة بهذه الفكرة ولن يغيرها واقع، حتى انت لن تستطيع تغييرها، لأنها ببساطة فكرة ليست من هذا العالم ولا تسري عليها احكام المنطق والعقل.. انها تسعدني وترضيني، حتى لو لم تُرضني انت نفسك"

Salóme || الهانم والشيوخWhere stories live. Discover now