CH37

135 19 16
                                    

•••

سهرة حلب كانت بداية سيئة للعام الجديد، 1970، سالومي تؤمن ان الامور تسير بالذي تبتدئ عليه، فلم تكن متفائلة بالمرة-

خصوصًا وانها حرفيًا هجرت زوجها، ولتبقى صورته متوازنة امام المجتمع- بقيت في بيته، الا انها عاملته كالغريب..

بالأساس لم يكن واعيًا على هجرانها وتصرفها الجاف، فكان منهمكًا بكتابة سيناريو الفيلم الثالث، ما ينتظره مريديه بعد رائعته الاخيرة (سوزانا).

حنا يونان كان اقرب لزعيم طائفة مجنون من مجرد كاتب، وجماهيره ما هم الا مريدين دراويش يتعطشون لمعجزة تتغنى بالجمال والعشق-

خصوصًا وأنه انتقل لصناعة السينما وترك الكتب الورقية، فصارت اعماله عبارة عن حضرة كاملة ورقصة غزيرة تدور وتدور كدوران الارض والكواكب، من بعد ان كانت مجرد قراءة وذِكر.

لكن في احدى لياليه الكئيبة تسلل الى غرفتها المنفردة، وأيقظها بسؤال كاد يفتك بعقله-

"هل الناس تريد قصتي ام تريد التفرج على وجهك؟"

وهي من نعاسها اجابته "اقلب وجهك ونَم"

دخل في فراشها، واستلقى الى جانبها "انا خائف"

"مم يخاف رجل مثلك يونا؟"

"منكِ"..

طار النوم من عيونها، ونهضت تنظر اليه، فبرر قائلًا-

"اخاف ان تهجريني بسبب قسوتي علينا.. ان هجرتني انطفئ، سوزانا"

"سالومي، يونا" صححت اسمها

فصحح اسمه "حنا يونان، سالومي"

ابتسمت "انت لا تنطفئ يا ابن بيروت، خفف عن نفسك"

"تعبان" نظر اليها بعيون متألمة تحاكي لوحات عصر الباروك التي تملأ غرفة مكتبه-

فقد قضى فيها من الليالي ما يكفي ليصبح واحدة منها..

"من يتعبك؟"

"خيالك"

فهمت عليه، زيفت ابتسامة، مالت فوق جبينه "ستهدأ ما ان تصب خيالاتك في المشاهد المصورة، وستعود لثورتك ما ان ترى خيال فتاتك متجسد فيّ- انا الهشة.. ستحرقني مع مدنك الخيالية، وستحمل رمادنا معك الى غزوك الجديد ايها القيصر الطماع.. سنُبعث من هذا الرماد في احد عروشك المبنية فوق انقاض الثورات والمعارك، وستولد فتاتك الجديدة التي ستعشقها، وستكره عشقك لها حتى الصباح الذي تقرر فيه اما ان تبيدها، او ان تتجرع انت سمّها وتموت كقيصر بطل"

اغمض عينيه، انه يفكر بشيء واحد، بآخر ثلاثة كلمات قالتها، وتفكيره هذا يلاحقه حتى قبل نطقها للحكم-

"ضمّيني قبل موتي" طلب منها متوددًل

فابتعدت "لا اقدر"

كان بداخلها شيء ما يعذبنا، شيء رأته، شهدت عليه، شيء مريب ومرعب لدرجة انها بحق لا ترغب ان يلمسها هذا الرجل-

Salóme || الهانم والشيوخWhere stories live. Discover now