نهارٌ قامت

5.4K 414 62
                                    

كالأعمى مضيتُ هائم الفكر قدماً ، دون إدراكٍ لأي شيءٍ حولي ..
شريط الحلم المسجل في ذكرياتي مستمرٌ بالتكرار أمامي ، و تساؤلاتٌ تكبلت على فكري لتغشيه في حفر الحيرة الملتوية ..
خطواتي الباردة كالثلج استمرت بقرع الارض منتظمة ، حتى اذا صرت في الشارع سائرة توقفت ..

تلك العيون مجدداً نحوي متجهة ، و تلك العين التي لا تكل مني باتت قريبة ، لكن تعددها غريب !!
عندها أبصرتهم يحدقون بي أجمعين ، من النوافذ على الابواب و حتى من في السيارة ، ما خطب هؤلاء ؟!
القشعريرة تغرز ابرها في انحاء جسدي لأنتفض مرتعشة من الرعب ..

أخفضت رأسي أرضاً ، و شددت  الحقيبة قبضاً ، رفعت ساقي لأمضي فأنزلها صوتٌ خشن :
ميسون !! ..
" لم ابدأ يومي بعد ، ماذا يريد مني ؟؟ " اخذتني التساؤلات دون ان تعيدني ..
بقبضته شد ذراعي إليه : سمعت افواهاً تقول بأنكي تتحدثين الى لا احد ..
" و ما بالك تثير الجلبة هنا على افواهٍ تستنكرها ؟؟ " مضغت لفظها بين أسناني ..
تقدمني قائلاً : أنا سأخذكي الى المدرسة اليوم ، هيا بنا ..
فعل خيراً بإنهاءه هذا اللقاء هكذا ..

أنا لا اطمئن له ، لا اطمئن لمازنٍ ابداً ، لكن الامان الذي اسرني قربه جعلني اسير راضية اذ أن تلك العين ابتعدت و اختفت تدريجياً حيث لا افقه و لا اعلم ..

تركني امام تلك البوابة حيث تتحشد جموع الطالبات المقبلة للدراسة ، لأدخل مطأطأة الرأس أهيم بفكري بين ظلمات ذاك الممر ..
كنت اسمع صداه على مدى حلمين ، فأين رحل في الثالث ؟؟
ما هذا البرود داخلي ؟! ما هذا السكون الذي يقتحم ما تبقى مني ؟! لم اعد ادرك الكثير ..

كان صياحهن يكسر جدران ذاك الصف المشؤوم ، لكن بمجرد دخولي عم الهدوء ، لا تمتمات !! لا همسات !! كأنهن متن بلا أنفاسٍ ايضاً ..
لن اكذب فقد شعرت بالإختلاف و دون ان ابدي بالاً تابعت قرع الارض بحذائي الى المقعد ، فجلست و اعينهن تداهمني مراقبة.، و انزلت حقيبتي و ابصارهن لا تزاح و لا تزيغ ..
و ما ان ادرت بؤبؤتي الى تلك النافذة حتى رأيت الظلمة تحل و خيل صوته لي يناديني :
افتحي الباب انا صديقك !! افتحي الباب .. ميسون انا صديقك ..

و عندما احتقنت الانفاس في البلعوم تذكرت بريقه بين اصابعي ، فخللتها مستشعرةً وجوده و نعم شعرت به !! فالتفت اليها لأراها خاليةً من الزينة ..
ولم اكن لاعيد عيني الى النافذة الا لسماعي لذاك الطرق و الصدى : تعالي الي ..

فمن بين وترات ذاك الصدى المنحب همست : ميس ؟؟ ..
كأنما ايقظتني من سباتٍ أليم عندما اخذت يدي بين كفيها و دموع الندم شقت طريقها لتداعب بشرتي :
ميس انا اسفة ، صدقيني كنت امزح معك يومها ارجوكي سامحيني ، ارجوكي يا ميس ..
جاثيةً على ركبتيها ناحبة بأسى يكبل زفرات انفاسها المتقهقرة ، بإختصار نادمة ..

فامسكت بيديها المتعرقتين : لا بأس عليك ، عندما افتح الصندوق سأجد الخاتم ..
لا ادري بماذا تفوهت تواً و لم ادرك حيث انني كنت احرك شفاهي و ظناً بأني انطق ب :
كل الامور انتهت حيث حصلت ، سامحتك ..

تسمرت بتلك العينين المغمرتين دمعاً : لم افهم !! ..
ادليت لها بإبتسامة الرضى راجيةً ان تتركني هنا ، و هذا ما حصل ؛ فقد لملمت اطرافها و الى مقعدها استكنت ..

و ما إن ابتعدت حتى شعرت به جالساً قربي ، لمَ يتملكني الشعور بأنه ذاته من ضربني ؟؟ ..
فأخفضت رأسي ارجف رعباً منه قاضمةً شفتي التي دمت من شدة القضم ..
اخاف ان استعد للركض فيوقعني و اخاف ان احاول الابتعاد فيضربني ، فلم اهتز ساكنة منتظرةً الفرج القريب ..

حاولن جاهداتٍ الاحتكاك بي لكني صرت اقذف بين عالمين ، العين و القلب بين جدران الممر الموحش ، و السمع و الشفاه و الحواس تساير من يحاكيني و يبتعد ، حقاً بدأت لا ادرك الكثير ..

زحزت ابوابها العملاقة معلنةً الحرية لمن اسرت ، و تهافت المحررون على بعضهم كفج الحجيج عند النفر ، كان جسدي يُلقى على ظهر هذه و يصطدم بكتف تلك ، حتى هو بدأت افقد السيطرة عليه ..

تلك العينين كانت اقرب و اقرب من كل مرةٍ سابقة ، ذاك الخوف كان اشد و اشد مع كل قربى تتخذه هذه النظرات ..
فبدأت اناطح الحشود ازحزحهم بكل ما اوتيت من قوة ، اردتها ان تبتعد عني فحسب ، اتوسل اليك يا هذا يكفى ..

فوقفن قربي : ميسون نحن حقاً لا نريد ايذاءك و لكن من ذاك الرجل ؟؟
رفعت عيني فرأيت الضوء في نهاية الممر : انه ليس موجود ، لقد اختفى ؟؟
تبادلن نظرات الشك و الريبة و بنبراتٍ متزعزعة سألن : ميسون هل تواعدين احداً ؟؟
ما خطبهن يسألن اسألةً كهذه : انه مظلم و اريد ان ارتاح ..
فاخذت زيزفون بذراعي معناقةً لها : ميسون هل اذاك ذاك الرجل؟ اخبرينا عن اسمه و عنوانه و سوف ننتقم لك منه..
اجبت بغصة : حين افتحه سأجد الخاتم ..

الا تدركون بأني فقدت عقلي !!
حين رأين العجب فيني تركنني و سط ذاك التجمع الشديد ، كنت اختنق ، اردت المسير الى حيث اطيق ، فسرت خطوتين ..

لكن جسدي رغم تحركه للامام كان يتقهقر ، عجباً !!
ادرت رأسي فأبصرت تلك اليد التي تحاول جري ، ما كان مني غير ان اصيح بذعر ٍ :
ابتعد عني ..  اتركني ، النجدة !! النجدة ..

كأن صراخي كان لمن حولي صافرة انذارٍ للحرب ، تنافروا دون انجاد او انقاذٍ ، كنت اصيح بجنون ظننته سيجرني الى عالمه السفلي ، شعرت بأن السماء قد ضاقت بي بأراضيها ، صحت و صحت و هدأ روعي زجره :
ميسون !! انا ادهم يا غبية ، يكفي !! اقول يكفي توقفي !!
" ادهم ؟؟ " اصابني خمولٌ شديد عندما ادركته ، فأي راحةٍ هي تلك التي قد سكنتني ..

و بعد ان اخملني التعب رددت عليه : ادهم ؟؟ ماذا تفعل هنا ؟؟
- قال مازن بأنك تواعدين احداً ، لم يرد بك الخير فاستعجلت اليك ، هيا قبل ان تحدث الجلبة هنا ..
شدني و الى السيارة اخذني ..

و بعد ان ركن السيارة عند باب بيتنا ادركت شيئاً مما قيل لي منهن ..
اتحدثن عن رجل ؟! لكن ما شأني انا به ؟!

رأيكم؟؟

من صقيع الخوف تُروى حكايةWhere stories live. Discover now