على سريرٍ ابيض

3.5K 327 65
                                    

طنين الجهاز المنتظم أيقظني ، على السرير الابيض قد طُرحت ، و انابيب المغذية تشبثت بيدي ، و الاكسجين حول فمي قد طُوّق ..
شعرت بالدوار حين فتحت عيني ، شعرت به عندما احتكت اصابعي ببعضها مستشعرةً توسطه لهم ..
اريد ان انسى صوته ، و كيف انساه و اسمي من بين نبراته يصدح ؟؟
حاولت تجاهل ما سمعت مؤخراً ، لكن استشعاري لوجوده يذكرني بكل حرفٍ نطقه ..

قال احبك !! ايعقل ان من يعشقني جناً ؟؟  ماذا عن اعوانه؟؟ اهم من يبيتون الليل في احلامي ؟؟ ام من يفتحون الباب في الليل ؟!  ..
من الرعب شعرت بتلك القشعريرة التي هزت جسدي كصعقة كهربائية جعلت الدمع متجمعاً متجمداً في مقلتي دونما نزول او جفاف ..  
الغشاء عاود التجمع على بصري لما تضيقت عروقي من الخوف ، و كأنما قلبي من شدة نبضه في قبضةٍ تعصره دون رحمة ..

و بكل ضعف كابرت هذه المشاعر ، احتجت ان اتقوى و لو قليلاً ، على احدهم ان يعرف ما يحصل لي ، لكن من؟!

و بينما انا في صراعٍ حادٍ مع ذاتي دخلت دارين و جلست عن يميني ، تفاجأت لما رأت عيني متفتحة فسألتني :
هل انتي بخير ؟؟ وجهك شاحب جداً و انتي تتعرقين بشدة ..
اومأت لها و اغلقت عيني ..
" ماذا افعل ؟! هيا لاخبرها بما اراه و بما اشعر " حقاً تعجبت من ذاتي كثيراً ..
ففتحت عيني لاحدثها و لكن !!  لقد اختفت !!!!
اين ذهبت ؟؟ لم اسمع صوت قدمها او حركتها او اي شيء !! اين اختفت دارين ؟؟
هل اخذوها !! اجل اخذوها ، انه تهديدٌ حتماً ..

فصارعت الانابيب التي قيدتني ، حاولت الصراخ لاستدعي النجدة ، حاولت رفع ظهري قليلاً و كدت انجح لولا ان جسمي ثقيل ..
كالجثة كان ، صَعب علي رفعه او هزه ، و لساني ايضاً لا يتحرك ساكناً ، جاهدت نفسي جهاداً شديداً ، جاهدتها بكل قوةٍ بل بكل ضعف ..
كأنما الجاثوم قد استلقى علي و ابى ان يعطيني حرية الحركة و الكلام !!

ماذا عن دارين ؟؟ ماذا عن اختي !!  ابي !! امي !! اي احد !! ..

اغلقت عيني لأُنزل دمعةً تجمدت على ضفاف جفني ، و ما ان اغلقتها حتى سمعت حركةً عن شمالي ، احدهم يعبث بقراطيس قربي ، هل هم هنا ليعطوني مزيداً من الذهب ؟؟ هل هم اعوانه ؟؟
خفت مما سأراه و لكن ..  ماذا عن دارين ؟؟
اجبرني التفكير على فتحها ..

و عندها ..

سمعت صوتها يداعب مسامعي ب : لقد وصلتك الكثير من الهدايا ، حلوى و مجوهرات ، ساعات و مذكرة!! ههههه من قد يرسل مذكرةً لمريض ؟؟
ثم اقتربت من مدى بصري مكملةً حديثها : و الورود التي وصلتك اهٍ كم هي جميلة ، انها من فارس الاحلام هههههههه ، انا سعيدةٌ لاجلك حقاً ..

نظرت اليها ، بل زينت عيني بالنظر اليها ، اردت الاقتراب لاحتضنها ، لو استطيع لشممت ريحها ، دارين؟ اتبصرين ما عيني تريد قوله لك ؟؟ دارين انظري اليها يا اختي ..  دارين!!

كم هو مؤلمٌ عدم القدرة على الحراك ، كم هو مؤلمٌ عدم القدرة على ابراز هذه المشاعر ، بدأت اتفهم حال من سكن جسده الكراسي المتحركة ، بدأت اشفق على من سقط طريحاً و لم يعد له جسده ، ماذا عن الذي فقد اطرافه؟؟ ماذا عن الاعجم الذي لا يقدر النطق ؟؟ حمداًلله استطيع سماع صوتها ، ماذا لو لم اكن قادرةً على السمع ايضاً !!

يا الهي الحزن و الفرح ، الخوف و السكون في تضاربٍ داخلي ، علّ هذا ما يوقف حركة جسدي ..

لبثنا طويلاً بعدها جاءت الممرضة ، تحدثت مع دارين و لم افهم حديثهما ، فقد كنت اعاني من تشوشٍ من نوعٍ ما ، و البصر عاد ليغشيه الظلام ، اني مجهدة ، احتاج للراحة ،. فغفوت .. 

بل ..
أُرسلت الى هناك من جديد ، الى الممر المظلم ، في ظلمته و قرب الصناديق كنت ، و ظهري مسنداً على احدها ..
لم يكن يبكي ابداً بل كان هادئاً جداً !!
سألته : يا هذا من تكون ؟؟
- زوجك - بصوته المبحوح اجاب ..
تضاربت الاحرف بين الحنجرة و البلعوم : ما زوجك هذه يا هذا ؟؟ ما تعني بقولك ؟؟
تنهد و تحمحم فصوته كان موجوعاً : سأزورك قريباً .. اتركيني الان عندي عمل لانهيه ، اعذريني ..
آقال اتركه !! هل انا من تذهب اليه !!! ما الذي يقال ؟! و ماذا يعني ذلك ؟!
اردت سؤاله عما يقصد ، عما يرمي اليه و لكن ايقظتني اصواتهم !!  بل صوته ..

فتحت عيني لابصر ذاك الوقح قربي ، و يقابله والدي ، انهم في الاحاديث منغمسون ، لقد ايقظتموني من اهم لقاء اولا تعرفون ؟! بالتأكيد لا علم لهم و ايضاً لا يشعرون ..

حين فتحتها استطعت الجلوس ، وجلست و عيني لا تزيغ عنه ، بنظرات حقدٍ قد ارسلتها اليه ، و بفظاظة قلت :
ما احضرك هنا يا هذا ؟؟
اسكتني قول ابي : عيبٌ يا فتاة ، كيف تخاطبينه هكذا ؟؟
التفت اليه مجيبة : هذا الحقير تحرش بي مسبقاً ..
فجاهر بضحكه المزعج قائلاً : ابنتك جميلةٌ حقاً ، سأسعد ان كانت زوجتي ..
شددت قبضتي و كدت الكمه لولا مبادلت ابي له بالضحك و الرد : انها لك يا فتى ..
ماذا !! ابي انه قبيح لا يمكنك هذا " بذهولٍ قلت هذا ..
امي هامسةً لابي : اتفق معها ..
فتعالى ضحكه و استمر طويلاً : اخبرتك ، والدك من اذن لي بالاقتراب منك ، عزيزتي ستتم الخطبة بيننا قريباً لكن اولاً اهتمي بصحتك جيداً ، لا عليك انا هنا و سأهتم بك اكثر ..

ايظن ان قوله هذا يريحني ؟؟؟
فاندفعت الى ابي ممسكةً بقميصه متفوهةً ب : ابي ، انه شخصٌ سيئ يستحيل ان ترضاه لي زوجاً يا ابي ..
فامسك بيدي متبسماً ، و لما استشعر الخاتم في اصبعي ذُهل كثيراً و تبدلت ملامحه و ضاعت بينها ابتسامته ، و سألني في حيرة : ميسون !! طلبتي مني ان ابيعه اليس كذلك ؟؟
حين سألني هذا ابتعدت عنه مفزوعةً من سؤاله لكنه امسك يدي و هي تسبح في الهواء ..
محكماً امساكها مكرراً سؤاله علي :
ميسون !! طلبتي مني ان ابيعه أليس كذلك ؟؟
اجبت بتلعثم : ا..  اجل ..
اكمل تساؤلاته : اذاً فكيف وصل إليك ؟؟
رددت عليه : ا..انت لم تبعه ، ا.. اليس كذلك؟؟
فقال مغاضباً : اتسخرين مني ؟؟ لقد بعته بقيمةٍ تساوي ستة ملايين فكيف وصل إليك ؟؟
فنهض الغبي محاولاً اخماد ما أُشعل بقوله : هههه ، لقد اشتريته لها لا عليك ..
رد عليه ملقياً بيدي الي : لا تكذب !! اريد جواباً حالاً ..

بماذا اجيبه ؟؟ بماذا اجيبه ؟؟ هل اقول له الجن اعادته ؟؟ ام زوجي!!! كيف سأنجو الان من هذا الموقف ؟؟ كيف و رطتني في هذا يا ايها المجهول ؟؟؟

من صقيع الخوف تُروى حكايةWhere stories live. Discover now