~: بين جدرانٍ اربع :~

4.6K 387 131
                                    

وقفت امام باب البيت منتظرةً فتح ادهم له ، البرود الذي تخلل دواخلي و الشرود الذي هاج على فكري تركا ملامح الفجع و الذهول بارزة دون خفاء ..

فسرت بين ممراته و هم من حولي يتحدثون دون وعيٍ لما يقال ، سرت خلف قميص من احضرني ، حيث يقف اقف و اينما يمضي امضي دون ادراك ..

حتى مررنا بباب القبو سمعت صوت نحيبٍ بعيد ، و بين كل زفرةٍ و اخرى احرف اسمي تشق بين ذاك البكاء المرير ، فتسابق الهطول من جفن عينيّ على خدي يسيل ، دون عبوسٍ او اصدار صوت ، بتلك الملامح فحسب بدموعٍ جاريات توسطاً امام الباب و خلف ظهره ..

بالرغم من انفتاح الجفنين لم اكن ابصر الكثير ، فشعرت بكفيه يمسكان كتفي و سمعت صوته يقول :
لا تخافي من مازن و اذا خفتي منه لا تشعريه بخوفك ، اقول هذا لمصلحتك .
ثم قادني ممسكاً رسغي الى غرفتهن و تركني هناك ..

حملت ذاك الغطاء الثقيل لاجعله يلتف حول جسدي النحيل ، و ارخيت عيني لاغفو من الوقت القليل ..
و بعد ظلمةٍ شديدة سمعته يبكي بشدة ففتحت عيني و جلست لارى سريري الوحيد الموجود في الغرفة ، جعلت قدمي الحافيتين تتدلى الى الارض بعينين محدقتين بالباب امامي ..

فصار يُفتح ببطيءٍ بصريرٍ ينسي الانفاس اين مجراها ، لكنه توقف دون ان يكمل فتحانه ..
كان الهدوء يغشى الارجاء ، صمتٌ فظيع يكسره ذاك البكاء ..
بعد حين سمعت صوت وقع ركضٍ يبتعد ، فلما توقف صاح الباكي كأنما يُضطهد ، و اسمي محاكاً بزفراته يعلو ..

تمنيت انقطاعه تمنيت زواله ، تمنيت ان أُصم ان أموت ، فأخفضت رأسي على الوسادة علّي اذا غطيت بها على عيني و اذني اتحسن ، للأسف ..
فبعد رفعي لرأسي عالياً كنت بأرض الواقع و بكاءه مستمر ، الباب مفتوحٌ على حاله الذي ترك عليه في الحلم ، أسرتهن الثلاث موجودة و هن نيامٌ عليها ..

الركض عاد هذه المرة ،عندي !!! رفعو الغطاء عني دون ابصارهم ، و الى الباب ابتعدوا و زادوه انفتاحاً  ثم انقطعت اصواتهم ..
آاتبعهم؟؟ آاتجاهلهم؟؟ خياراتي ليست كثيرة و قد ينقضي الليل و هذا الحال مستمر ، ماذا لو طال الليل و لم ينتهي!!

فتركت السرير و الى الباب مضيت ، فلما استقمت بين عتبة الباب و الخارج عاد الركض ليكمل مسيره الى الصالة كأنما كانوا ينتظرونني !!
" لقد تركت السرير مسبقاً فهل اعود اليه ؟! " اجتاحتني هذه الافكار لبرهة ، و اخترت .. المضي ..

و بترنحات سكر الخوف مضيت ، اتشبث بهذا و اتكأ على ذاك ، كنت اقترب اكثر و اكثر من الصياح ، و عندما اتكأت على حائط الصالة افترقوا !!
اجل افترقوا !! اقدامٌ مضت الى القبو و اخرى الى غرفتي ذات الشرشف !! " يا الهي " ..

عن يميني بابٌ خلفه ظلمة القبو حيث النحيب المخيف ، و عن شمالي بابٌ اجهل لمَ قد اختاروه من بين كل تلك الغرف ؟! عظامي من شدة الهول كأنها اوتار عودٍ يُعزف عليها لحنٌ فظيع ..

فسرت الى الغرفة بقدمي الحافيتين ، و بعد ان وصلت لبابها قليل الانفتاح مددت انامالي لادفعه ، و بعد ان رأيت خلو الغرفة المذهل تعجبت ..  فشرشفي غير موجود و ادواتي كذلك ، و كانت من نظافتها الشديدة تبرق و تتألق !!
دخلت اليها و قد قتلني الشك رعباً ، و النحيب في اذني لم يتوقف بل و كلما تعمقت اكثر فيها قل الصوت نسبياً ، فلما توسطت واقفةً فيها شدني صرير بابها المنغلق ببطيء الذي في كل تَضيُّقٍ له يختفي صوت النحيب معه ..

فالتفت اليه لتُطفىء الاضواء و يحل الظلام ، و لاسمع وقع قدمٍ شديدٍ على القلب يقترب من الباب !!
اردت الاختباء و لكن ..
كأنما اطرافي من رعبتها تصلبت ، و قلبي يتألم من الخفق ، و انفاسي تخرج دون دخول ، و صوتي احتار اي وترٍ يشد ..
وقفت انتظر وصوله ، انتظر نهاية اللحظة ..

و دُفع الباب ليتسلل ضوء الخارج الى عتمتي ، و يدٌ من بعد تسلله زحفت على الجدار لتفتح مصابيح الغرفة المنطفئة ، و رأيته اخيراً !! انه أبي !!
فتساءل لما رآني بذاك المنظر : آنمتي هنا ؟ ..
صُعب على الشفاه ان تتلفظ فصمت ، فأكمل قوله : آبللتي ملابسك ؟؟ ..
ثم اقترب مني و اخذ يتلمس بجامتي التي تتقطر من البلل قائلاً : انتي تتعرقين بشدة !! ظننت .. ههههههه اعذريني اسأت الظن ، شعرك ايضاً !! غيري ملابسك هيا ..

و دفعني الى الباب لكن جسمي متصلب ما زلت متأثرة ..
فقال ناظراً الي : هل رأيتي كابوساً ؟؟
كذلك لم اجب .. بل و اني دنوت الى الحائط الذي اعتاد وجود شرشفي قربه مسندةً ظهري عليه ضامةً ساقي الي ، و اعطيت بصري لفتحة الباب الضيقة ..

ابي : قيل لي انكي تعطينها اهتماماً مخصصاً ، اعني .. الغرفة .
لم اجب ، و لم ارد ..
مكملاً حديثه : فرأيت بأن اضع بها سريراً وردياً هنا و بعض الزينة في الزاوية و الدمى عند الركن و مكتب صغيرٍ هنا ، ما رأيك انتي ؟؟
فرفعت رأسي اليه و الدموع كشلالٍ عظيم تسري الى الارض ، ثم استلقيت و نظرات الذهول منه ترسل الي ..

كيف تصرف برأيكم ؟؟

انا ايضاً لم اكن لاتجرأ على تخيل هذا ، فقد اخذني الى غرفة ادهم و جعلني استلقي في حضنه و على سريره و اخذ يمازح و يداعب(ني) ، اتفقهون ما تقرأون ؟! لاني لا افقه ذلك !!

و بالرغم من حلاوة الحدث اذ اننا سهرنا الليل و ذراعه حولي ، هو يتحدث و انا استمع لنحيبٍ اجهل صاحبه ، و في ذاك الضوء الخافت قضينا الساعات ، هو يحدثني عن امورٍ عدة و انا عيني تبصرهم قرب الباب الخشبي يجلسون ..

انا على موعدٍ مع الجنون قريباً ..

من صقيع الخوف تُروى حكايةWhere stories live. Discover now