ما يسبق ليلتك يا ميس

2.5K 252 78
                                    

وجهي المتورم من النحيب فضح شيئاً مما احاول ان اخفيه ، و الدموع الذابلة على خدي بدت كشاطئٍ قد اهلكه الملح ترسباً ، وانتصابي على فراشي امام ما عرضه بين اصبعيه زاد من طول قائمة مشاعري و عرضها ..

فعادت بي الذكريات الى فجر الامس ، امام القبو عندما ارتدى البيت ثوب السكون ، عادت بي الى موقفي امام باب مسكنه الجديد ، تذكرت حلقةً لامعة ارجحها لي من فتحة الباب الضيقة ، و لكن حماسي لم ينحني لها بل مضى بغياً في تحريره ..
هذا يفسر لماذا رمقتني ليلتها بتلك النظرات ، لماذا باغتني صوتها بتلك النبرة !!

و عودةً الى الان و تفكيراً به فبماذا سأجيب ؟؟
اجبته مرةً بين اجهزة المشفى و كان عاقبة الامر سليم اسحاق ، و اليوم لا ممرضة ستبعد يده و لا الة ستصيح لتنجيني !!
لقد برأني من تهمة الكذب و التضليل قبل بضع ثوانٍ بلسانه ، فهل هذا سيشفع لمصداقيتي في نظره ؟؟
فاكتفيت بتوسع حزقيتي الداكنة و تلعثم لساني المتثاقل ، و بإنبهار قد فرج فاهي و تجمدت حيث كنت ، و استأنف محاولات النطق الفاشلة قوله و اعتداله قائماً :
لا املك الوقت و لكن سأعود اليك ، اولاً علي ان اتأكد و اعيده الى من اشتراه ..

انها المعجزة الثانية المنجية من عين السؤال ، ليتها ادخرت قبل ان ...
نزل البصر ليدس نفسه تحت الارض ، و الرأس قد حناه الخزي الى حيث يجب ان يُمرغ ، و تداعت نبضات القلب بين عجلةٍ و فتور فحقن التناسي تخدره و منشطات الندم تصعقه ، و مجاهدات الرئة المنخنقة بمشنقة الضيق في سحب الهواء المسموم بالضيم و طرده قد اردفها عاجزة ، و لن اصف حال البؤبؤ المتكدر بغيم العار الذي اثقل جفنه بغزير دمعه ..

ساعة ؟؟ ساعتين !! بل سهرت الليل بطوله ، احتضر بين الفينة بالوجع و الفينة الاخرى تنعشني بالصبر ، كيف انسى البلاط المطلي بالدم ؟؟ كيف انسى صوته حين قال ( سنسعد معاً ) ؟؟ آمجرمةٌ انا ام مدافع ؟؟ بل مجرمة اردت بتلك الجثة و هربت تاركةً بصماتها و اثارها خلفها ، متى سيأتون للقبض علي ؟؟
كلها بضع ساعاتٍ و انتقل الى خلف القضبان ، المكان الذي يليق بي ..

فلماذا يا ميس تجهدين نفسك بالعويل ؟؟ هذه اخر لحظات الحرية فاخرجي ، انثري ابتساماتك بينهم للمرة الاخيرة ، و قبلي رؤوسهم للمرة الاخيرة ، كلي الطعام بينهم للمرة الاخيرة ، ضيعتي الكثير فاستبقي الدقيقات قبل ان تجليها الثوينات ..

فمسحت ما بوجهي من تسرباتٍ و تقشفات ، و اويت الى الماء لاغسله ، ثم اتخذت السبيل الى مجلسهم و استندت على بابه البني امتع عيني بأرواحهم التي سأهجرها ..
كانوا في حركة فالساعة قد بلغت السابعة و النصف ، البنات في شغل التنظيف و التطييب ، و مها بأفضل ملابسها فسألتها بصوتٍ قد انهكه التعب : مها ، ما مناسبة هذا ؟؟
مارةً بقربي و بيدها المبخرة : هيا تجهزي و استعدي ، سيلقون التحية علينا اولاً ثم نذهب كلنا .
تعجبت متحمحمة : و لكن من سيأتي ؟؟
دارين و هي ترتب مراتب الكنب : من سيأتي ؟؟ الا تعرفين تاريخ اليوم ؟؟
فإذا بلجين تأتي و انفعالات الذهول تصدر منها : يا الله !!! هل اشترى هذا لك ؟؟ هل فعل ؟؟
شدت مها بمعطفي : ااه يا بنات ، هذا ما كانت ترتديه انجلينا في فلمها الروسي ..
و تجمعن حولي : يا الهي !! انتي محظوظةٌ يا ميس ..

من صقيع الخوف تُروى حكايةWhere stories live. Discover now