الفصل الثاني || عَودة

46.2K 2.7K 266
                                    




اليونان، أندرسون.
غابة الموت، أوكيغا.

هيلدا:

«هيلدا»، صوتٌ رقيقٌ هامس شوّه هدوء المَكان المُظلِم.

«هيلدا، استَيقظي»، ارتفع ذاكَ الصَوت الغريب شيئًا فشيئًا هامسًا لي كي أستيقظ. ماذا يَعني هذا؟ ألستُ مَقتولة؟ ألم تقتلني الغيلان الاُفعوانية؟

«هيلدا، أنتِ ما زلتِ حيّة»، سمِعتُ صَوتها مرة أخرى تُخبرني بِما أردتُ حقًا سَماعه وأنا في حالتي هذه.

«إذًا لِمَ لا أستَطيع رؤية شيء؟»، أبت عيناي أن تبصرا ما حَولي ربما هذا بسببي أنا.

«افتَحي عينيكِ وسترين كلَ شيء»، همَست بِصوت رَقيق ومَميز تمامًا كآلة الهارب، أطعتُ أمرها لَرُبما حَقًّا الخطأ مِني. حالما بدأتُ المُحاولة ثَبتَ صِدق ما قالته، لقد كنتُ مُغمَضة العَينين، لكن الصدمة كانت مما رأيت عندما وقعَ نَظَري على ما تَحتَ قدميّ اللتين كانتا يغطيهما فُستان وردي واسع وجَميل، لكنني لم أكن أرتديه من قبل!

كنتُ أقف على المياه ولا أغرق فيها! كما أنّها ليسَت مُجَمدة ولا يحيطني شيء غيرها، ما الذي يَحصُل؟

«سأجيبكِ»، صَدَرَ ذاك الصوت الأنثوي مرةً أُخرى، فرفعت رأسي فورًا فَالتقت عيناي بهيئتِها الجميلة، بَشرةٌ سَمراء وجَسدٌ طويلٌ ومَمشوق، مع أنفٍ حادٍ كَالسيف، شفاه مُمتلئة، شَعرٌ يتماوج بين البني الغامق والفاتِح، عينان بلَونٍ لَم أشهد لهُ مَثيلًا، غريب لدرجةٍ لا تُوصف.
أنا أسرح كثيرًا رَغمَ وضعي الغَريب هذا، لكن أنا أشعر بالراحة لتواجُدها، لماذا تَشتت أفكاري عند رؤيتي ابتسامتها الغَريبة التي تَحملُ نَوعًا من الغموض والدفء؟

«مَن تَكونين؟»، سألتها وأنا أنظر إليها، لكنها لَم تُجبني.

«أينَ أنا؟»، ها قد بدأت دوامة ضياعي في أفكاري وأسئلتي، لكنها لَم تُجبني، فقط تنظر إليّ وتبتسم.

«ألم أمت؟»، جاءتني مشاعر كَثيرة مُبَعثرة، حملتُ في هذه اللَحظة من الهَم والحزن والوحدة والضياع والاشتياق ما يكفي لِيغطي الأرض كلها.

«لا»، إجابة مُختصَرة بَسيطة، لا ترضِي عقلي وقلبي، هناكَ الكَثير مِن الأسئلة.

«بالله عَليكِ، أرضي عَقلي وأَجيبيني عما سبقَ وسألتكِ عنه، فَمن تكونين؟ وأين أنا؟ ولمَ أنا هُنا؟ وما الذي يَحدث؟ واللعنة!»، نَفد صَبري فبدأت أتَحدث بانزعاج، وعلت نَبرتي بِغَضَب في نهاية كلامي، ولكنّها ما تزال هادئة بشكل يثير جنوني.

«أنتِ انعكاسٌ للنورِ والظَلام، للخَير والشَر، للجَليد والنار، للطبيعَة والسِحر، للبَشَر والمَتَحولين، للنَقاء والخُبث، للدَمار والبناء، وأخيرًا أنتِ للقوة والسُلطة حاكِمة، انعكاسٌ لما بيننا»، بدأت الكلام بهدوء، ومعَ كلِ كَلمة تقولها تَرتَفع وَتيرة صَوتها وتَزداد عيناها تَوهجًا، لكن ما جَذبني هوَ نهاية كلامها حينَ قالت: «أنتِ للقوة والسُلطة حاكِمة وانعِكاسٌ لِما بَيننا»، ما الذي تَعنينه بِهذا؟ ما الذي يربطني بها؟

«ستَفهمين كلَ ما أقوله معَ الوقت»، عادت لِهدوئها وعادت عيناها طبيعيتان أيضًا.

«حقًّا!»، قلت بملل ونَفاد صَبر، يا إلهي، سأجن! كيفَ تُخبرني بذلك وأنا محتَجزة هُنا؟ وهي تَستمر في الابتسام إذا قُلت أنني ميتة!

«كَما أخبرتكِ أنتِ لَستِ ميتة، فأنتِ خالدة»، قبلَ أن أذهل بكيف عَرفت ما قُلته في قرارة نَفسي قَبلَ قَليل، صَدمتني كلمة «خالدة» ماذا تعني بأني خالدة؟ الرَحمة، رأسي بدأَ يؤلمني.

«كيفَ عَرفتِ ما أفكر بهِ؟ وما الذي تَقصدينه بأني خالدة؟»، أمسَكتُ برأسي بقوة وجَثوت على الأرض عندما اشتد الألم في رأسي، كأنّ أحدًا يَضربُه بمِطرقة كبِيرة، بدأت ألهث؛ فالتَعَب والألم نالا نصيبًا كَبيرًا مني.

«هذا لأننا مرتبطَتان بِبعضنا، أنا أنتِ وأنتِ أنا، كلتانا نمثلُ بَعضنا، وسيتضحُ لكِ ما جالَ في خاطركِ ولَم أجبكِ عنه فَقط عِندما تلتَقينه، إنهُ يَنتظركِ، أندرسون حانَ وَقت العودة.» هذا آخر ما قالتهُ لي، لكن لماذا نادتني أندرسون؟
تلاشى كلُ شيء فجأة وسقطت في قَعرِ المياه تَحتي، لَكن العَجيب أنني لم أغرق أو أختَنِق، فقط أشعر بأن أوردتي قَد انفَصلت عَن بَعضها والتحمت بِقوة فجأة، حاولت الصُراخ لكن دونَ جَدوى، أغلَقتُ عينييّ مُستسلمة لكل هذه الألغاز والألم ومصيري النهائي على ما أظُن.

لَم أعد أرى أو أشعُر، عيناي الصَفراوان مغلقتان، لا أرى سوى الظلام الذي يحيط بي، أصوات ضحكات أصدقائي التي عادت إلى مَسامعي بِسرعة واعتراف ميغان لي، هربت دمعتي وامتزجت معَ المياه التي تحيطني.

أنـدِرسـون حيث تعيش القصص. اكتشف الآن