الفصل الثامن || صدمـة

28K 2K 228
                                    



• أندرسون •
• مملكة الذئاب •


شَعرت بأنَّ ظلامًا دامسًا بعيد المدى، عَميقَ القاع احتَضنني! كأن جَسدي كانَ يطفو في الهواء، لا أسمع أيّ صوت ولا أرى أيّ شيء، كلُ ما حَولي هادئ، هادئ بشكلٍ مخيف، لَم أعد أعلَم ما إذا كنتُ أنا من أغمضت عينيها وأرى هذا الظلامَ نتيجةً لإحكام إغلاقهمَا أم أن المكان شديد الظلمة لدَرجة أنّ ظلامه أكلَ كلَ شيء أمامه فجعله وجبةً لِظلامه الدامس؟
 
هل يا ترى الموت هكذا؟ أهوَ بهذا الظلام أم أسوأ أم أقل منه؟ رباه، ما أغرب أسرار هذا العالَم!
 
بارد وَمخيف هكذا يوصف المكان، حتى أنني الآنَ بمفردي، بعد أن كانَ الجميع معي، لا أعلم أينَ اختفوا جميعًا؟
أو هل أنا في البُعد الذي التقيت فيه بِلوسيندا؟ أم أنهُ مكان آخر؟
 
كلُ ما أتذَكره أنني كنتُ أقف بجانب دانيال وأوليڤر ونيڤ وكذلك روجر وريجينا ونردين وأخيرًا والتر الذي يقف أمامنا وقالَ ما قال، وفجأة بدأ ضبابٌ أسود لكن مُشع بالخروج منه ثم قام بإحاطة كلُ إنشٍ من الغرفة فأغرِقت باللون الأسود، وبعدئذٍ لا أذكر ما حَصَلَ.
 ⁦
أين هم الآن؟ لمَ تركوني وحيدة؟ أنا أخافُ من هذا!
 
لوسيندا لم تَظهر منذُ فترة ولم أرَ العنقاء سوى مرة واحدة ولم أفهم شيئًا! ومع ذلك ما زلت متماسكة وسأكونُ كذلك
رغمَ أنني أضعف مما أظهره للعَلن.
 
فجأة، سطع شعاعٌ ناري بقوة جاعلًا عينيْيّ تهيجان ألمًا لقوته، ارْتجف جفناي دليلًا على شعوري بالألم وعدم اعتيادي على هذا النور القوي. أغلقت عَيْنَيَّ بإحكام بأملٍ زائف أن لا تشعرعيناي بهذا الكم الهائل من السطوع.
 
بعدَ لحظاتٍ لم تدم طويلًا، شعرت بأن الضوء قد انزاح وعاد الظلام أدراجه أو إن صح القول بأن الضوء أصبحَ أقل سطوعًا.
 
فتحت عينَيَّ ببطء وهنا كانت الصَدمة… الفينيق عنقاء العرب يقف أمامي مفردًا أجنحته الكبيرة على الجانبيين ويميل بهما نَحوي، كأنه أصبح أَكبر بقليل. أكانَ كل هذا منه؟
 
استمرَ يحدق بي بهدوء وذاك التوهج الطفيف قد التبسهُ كثوبٍ له، «أين نحن؟»، سألته والفضول قد نالَ مني، درت بوجهي مرارًا وتكرارًا أبحث عن إن كان هناك شخص غيرنا! لكن لا شيء غير أجنحته العملاقة تعانقني من كل جانب وتحجب عنّي الرؤية، «حيث تريدين»، أجابني بهدوء دون إِبعاد عينَيْه عن عينيّ، وكالعادة فمه لا يتحرك، «أنا؟»، سألت بحيرة،
حيث أريد... حيث أريد، ظللت أُردد هذه الجملة في رأسي لكنني أثق بأنه سمعها.
 
«هيلدا»، جذبني من شرودي ومن أعماق غفوات أفكاري صوتٌ أسمعه أول مرة في حياتي! كان صوتًا أنثويًّا وجميلًا مليء بهدوءٍ مريح، إنّه صوتٌ مألوفٌ لدي.
 
التفت ناحية الصوت بعد أن لاحظت إبعاد الفينيق أَجنحته، وجدت الجميع دون استثناء يقفون بحيرة في مكانٍ أقل ما يقال عنه هادئ ومظلم، كل من كان معي سابقًا متواجد هنا الآن بعد إن اختفوا. حتى لوسيندا كانت معهم، لقد صدمتني بتواجدها.
 
أبعدتهم قليلًا عن عقلي ولم أشغله بالقيل والقال وكيف اختفوا وعادوا؟ وأين كنت؟ ما يهمني الآن هو ذلك الصوت الذي جذب كلّ خلية في جسدي نحوه، ما إن نظرت نحوها حتّى تصادمت عيناي بعينيها السوداوين العميقتين، إنّها جميلة وبراقة، كما أنّ الأنوثة والرقة بارزة في تقاسيم وجهها. ترى من تكون؟
 
«صغيرتي، لقد كبرتِ»، تحدثت بنبرة حانية، وعلت وجهها ابتسامة مريحة. ماذا؟ هل تعرفني؟
 
«من تكونين؟ أنا أقابلكِ لأول مرة لكن أشعر بمشاعر مبهجة ناحيتكِ»، تشتت أفكاري وبعثرت أنظاري بين المتواجدين ورأيت ذات نظرتي تعلو وجوه الجميع إلا ثلاثة منهم، ريجينا، والتر، دانيال. يبدو أنهم يعرفون شيئًا، بل أشياء عن ذلك!
 
«هيلدا، لنا تاريخٌ طويلٌ معًا»، نبرتها قريبة لنبرة الأم لابنتها حتى مع كونها شابة. ربما هي في مثل عمري!
 
«ما هذا التاريخ؟ وما اسمكِ؟»، سألتها وكأنني على عجلة من أمري. أريد كشف هويتها بنفسي كي أُريحها، لدي شعورٌ قوي بالانجذاب نحوها، كأنني أعرفها منذُ الأزل!
 
«فليبتعد الجميع!»، همست وعيناها توهجتا. انصاع الجميع وابتعدوا عن دائرتنا إنها تبتعد قليلًا عني.
 
بدأت تنطلق من تحت أقدامها خطوط زرقاء متوهجة تنير المكان المظلم من حولنا، وصلت إلى تحت أقدامي والتفت تحتهما مكوّنة شكلًا كَالحلقات، «ماذا سَتفعلين؟»، قُلت بثبات.
 
«أكشف لكِ ماضٍ مجهولًا وحاضرًا مشتتَ الأوقات، عن أشخاص أخذتهم منكِ الحياة وأشخاصٍ بقربكِ لا تعرفين لِأَلغازهم مِفتاحًا»، ارتسمت دائرة كبيرة حولنا مع نهاية كلامها الغريب هذا! حسنًا، ها قد وصلت لما كنت أسعى إليه  وسأعرف كل شيء. تكَون من تلك الدائرة الكبيرة جدار شعاعي ارتفع عاليًا، عاليًا جدًا، لا أعرف إذا كانت له نهاية أم لا لكن ذلك غير مهم. أعدت نظري فورًا للتِي تقف أمامي ثم قلبته على الباقين، ريجينا، والتر، دانيال، أوليڤر، نيڤ، أشعر برابطة قوية تجاههم، أشعر بالأمان الذي خسرته منذ سنوات سالفة، حتى مع مقابلتي لهم أول مرة شعرت بالارتياح معهم، حتى روجر ونردين، ومع غرابة لوسيندا والفينيق إلا أنني شعرت بالرابطة معهم جميعًا، وكأنها قوية جدًا!
 
لاحت على أنظاري ابتسامته الهادئة حتى في وضعنا هذا فهوَ يبتسم لأفكارِي ولِتصرفاتي، ولكل ما يخصني!
 
يبدو أن قلبي يود إعلان استسلامه في حضرتك سيدي.
 
ابتسمت بخفوت، أهذا اعتراف! وأيضًا في وضعنا الصعب هذا؟ نحن غريبان يا رجل، أنت تسمع كل أفكاري وأنا أعرف بما تفكر دون السؤال والجواب.
 
قاطع كل أفكاري ارتداد جسدي للخلف خطوة، ليس لشيء، وإنما لتفاجئي من هذه الصور المركبة المختلطة ببعض،
والتي بدأت تظهر أمامي على ذلك الجدار الشعاعي!
 
أعدت نظري ناحية المرأة الغريبة مرة أخرى فأراها قد استقرت وعادت لطبيعتها مع ابتسامة دافئة علت ثغرها.
 
«التمسي ذكريات الماضي والحاضر، واعرفي من يكون الجميع من حولكِ ومن أنا وما صلت قرابتنا بكِ وكل هذه المشاعر التي أحسستها عندما كنتِ بقربنا، جدي الجواب هنا»، بدأت بالكلام وهي تقترب مني رويدًا رويدًا حتى باتت بجانبي، «اكتشفي حقيقتكِ هنا»، همست بجانب أذني، وضعت يَدَيْها على كَتِفَيّ وأَدارتني للأمام ووقفت هيَ خلفي
وجهت نظري حيث تقصد فرأيت الجدار الشعاعي وعليه صور تهب بسرعة وخلفه مباشرة وقف دانيال يطالعني بنظرات غير مفهومة.
 
لا أعلم ما إن كانت نظرات حزن أم حيرة أم سعادة؟ إنها مزيج من جميعها.
 
«الصور عديدة ولا يتضح منها شيء»، همست لها وعيناي ما تزالان عليه.
 
«فقط ركزي واستمعي لنداء قلبكِ وستجدين الطريق، لا تجعليه يشتت أفكاركِ، الجميع لا يعلمون ما يحدث مثلكِ عدا خمسة منا ودانيال يجهل القليل ويعرف القليل»، همست بِنبرتها نفسها.

أنـدِرسـون Where stories live. Discover now