الفصل الرابع || الحاكِم

39.4K 2.2K 258
                                    


• أندرسون •
• مملكة الذئاب •

يَحفرُ الأرضَ ذَهابًا وإيابًا بِقلقٍ شَديد: «عَليك أن تُغامر، أحضرها قبل فوات الأوان»، تَحدثت بِهدوء قاتل مُعاكس البركان الهائج أمامها.
 
ازداد غَضبه بعد أن سَمِع جُملتها: «ماذا؟ لَقد خَسرتها سابقًا وظننت أنها ماتت! انقَطعت رابطة الرفيق بيننا ثمانٍ وعشرين سَنة، عِشتُ خِلالها في ألمٍ وَحربٍ معَ ذاتي، لأنني كنتُ صغيرًا حينَ مَقتلها»، همّ يَتكلم بكل غَضب فلقد فَقد آخر ذرةَ صبر لديه، أجل عندما يَتعلقُ الأمر بها هو لا يستطيع أن يَكونَ هادئًا!
 
صمتٌ يملأ المَكان، هذا ما واجهه، لا أحد يجرؤ على الحَديث وهو في هذه الحالة، «أنا لَن أخاطر بها»، قالها ببرود مُميت بَعدَ أن ضَبطَ أعصابه وعادَ كما هو مَعروفٌ عَنه.
 
«لا يمكنك ألفا، يَجب علينا أن نبدأ التَحرك، إذا بَقيَت في القَصر لن نأتي بِنَتيجة جيدة ولَن نَتخلص مما سَيواجِهنا أو يواجه اللونا»، تحدثَ شابٌ ذو شعر بني فاتح، ولحية خفيفة، مع عينين بلون القهوة ووجه هادئ ونَبرة مُماثلة، ونَظرة حادة لاقت شبيهتها لدى الألفا.
 
«روجر مُحق بني، عليكَ الاستماع له، إن بقاء هيلدا في القَصر دون مَعرفتها كل شيء أو تَحركنا لَن يجدي نَفعًا، أنت واعٍ وتَعرف ما الأصلح لكَ ولمَملكتك»، تَحدثَ رجلٌ يجلس بجانب روجر ويبدو على ملامحه الوقار والهيبة والحِكمة.
 
«ألفا، أحضِر اللونا المُستَقبلية لكي نَتَعامل بشكل صَحيح ونَستطيع إنقاذها وإنهاء الأمر، لَقد نَجت من لاميا وهي تعتقدها ماتت، إذا اكتَشفت أنها على قَيد الحياة ستُطاردها مَرة أخرى»، نَظرت المُتحدثة في عيني الألفا بهدوء لتحدثه فيما كانَ صَحيحًا منذ البداية.
 
نّظر لها ثوانٍ وقَد انقَبضَ فَكه بِقَسوة، ساد الصَمت في المَكان، ثم عاود التَحدث بِنَبرة الألفا القَوية: «حسنًا سيلفا، سأفعَل ما قُلتِ بما أنكِ ساحرة أو بالأصح ملكة السَحَرة، لكن...»، تحَدث بهدوء مماثل كهدوء المَدعوة سيلفا، وجه نَظره إلى المُتَواجدين بعد سكوته، فأكملت سيلفا عنه: «لَن نَجد الحَل سوى بِمساعدة لوسيندا»، قالَت بابتِسامة ماكِرة واثقة احتلت شِفتيها.
 
«اللعبة بدأت»، ابتسامة جانِبية رُسِمت على شفتيه، إنّ الألفا شَرس.
 
قامَت سيلفا بِمُناولته قارورة صَغيرة غريبة الشَكل لَكنّها جِميلة، بها سائل ذو لونٍ أرجواني جذاب.
 
«سَيسهل لقاءك مع لوسيندا»، ابتَسَمت له بهدوء فبادلها الابتسامة بَعد ثوانٍ مِن تَحديقه الغَريب بالقارورة التي بَينَ يَديها.
«شكرًا»، شبَح ابتسامة ظَهر على مَحياه، هو الألفا البارد القوي، يَستَحيل أن يَلين مع أيّ كانت سواها؛ لأنها وبِبساطة أميرته!

 _
_

 
كُنت أجلِس وأمامي المرآة الكَبيرة، ما زلتُ في تلكَ الغُرفة ملك ذاك الشاب الوَسيم، وخَلفي اللونا ريجينا تَقوم بتَسريح شَعري، كي تجعله مجعّد الشكل، وتلكَ الجنية الصَغيرة الهادئة تَطير بِجانبي.
 
أتَعلمون؟ لَقد صُدمت عِندما أخبرتني حقيقة الوَسيم، إنه حاكِم العالم!
ليسَ نسبيًا لكن لا يوجد صَغير ولا كَبير لا يطيعه أو يخافه، إنّ لهُ صيتًا واسعًا ومُهيبًا، هو حاكِم عالم الخوارق وسِلسلة البَشر! 
إنّ وجودها مَعي أشعَرني بالأمان، مَلمس يديها الحانية، تملك دفئًا غَريبًا، هذا لأنّها مستذئبة.
 
«سأخرج الآن قليلًا، ابقي هْنا صَغيرتي الجميلة»، فاجئني صوتها الذي قَطعَ سِلسلة مِن الأفكار الطَويلة التي كُنتُ مُتأكدة أنها لَن تَنقَطع سوى بِكلامها، مَسَحت على رأسي كما لو أني طفلتها، شُعورٌ جميل جدًا أفتَقده منذ سنين، أو رُبما منذ بداية حياتي.
 
لَم أجبها بِسبب شرودي، فقط اكتفَيت بالإيماء لها بمَعنى نَعم، ابتسمت بلطف وذهبت خارج الغرفة مع الجنية الصَغيرة أو كَما أسمتها ستيفاني.
 
أعَدت نَظري إلى المرآة، لا أنكر أنني كُنت جميلة، هذا بِفضل مَجهُودها الرائع، شَعر مجعّد ومُرطب شفاه لامع والقليل مِن مجمّل الرموش، معَ فُستان أسود يَصل إلى أسفل ركبتيّ بِقَليل يَحوي ورودًا بيضاء وَحِذاء رياضي أبيَض جميل وأنيق، إنّ ذوقها فاتن.
 
بَعدَ ثوان مِن تَمَعني بالمرأة، كُنت أشعر بالتعب وكأنني أريد النَوم لكنني لا أستطيع أن أنام، فجأة، كل شيء تلاشى من أمامي!
ظَهر سواد ثوانٍ مَعدودة ويتخلله ذاكَ اللَون الأزرق الجَميل، إنّه المكان  نفسه وقت لقائي بِلوسيندا! حتى أنَّ جَسَدي قَد بدأ يرتفع قَليلًا كالعادة، لَم أندهش لأنني بدأت أعتاد.
 
وأنا أنظر لِقدميّ اللتين امتَنعتا عَن لَمس الأرض، ظَهرَ صوت أنثوي جَعلني أَرفع رأسي، لَيسَ لأنَني لَم أعرفها، وأنما لأعرف المَزيد مِنها.
 
«لوسيندا!»، وَقفت أمامي بابتسامة لَطيفة كَعادتها عِند رؤيتي إياها، شَعرها الجميل يَتطاير بِفعل نَسمات الهواء الهادئة. 
«كَيف حالكِ الآن؟»، اتسَعت ابتسامتها أكثر، سَمعتني! كيف حالي؟ كيف حالي؟ بقيت أردد صَدى تلكَ الكلمة في رأسي ثم أجبتها بتشتت: «لَستُ بِخير»، أجل لستُ بخير.
 
«لستُ جيدة، أدخل غابة فجأة فأشهد عوالم غَريبة، أقْتَل ثم أجد أنني لَم أقتل، أدخل في غَيبوبة طويلة مُدتها شَهر وأستَيقظ فأجد نَفسي في نِطاق عالم الخوارق في مَملكة...»، أكملت حَديثي بِتعب واضح على ملامحي من كُل تلكَ الحقائق والأسرار التي انهالت عليّ بين ليلة وَضحاها!
 
قاطعتني لوسيندا وهمست بهدوء: «المُستذئبين»، رفعت رأسي أنظر إليها بِدهشة، «أنتِ في مملكة أقوى المَخلوقات الحاكمة، مملكة المستذئبين حَيث جميع المَخلوقات يخشونَ التَعدي عَليهم؛ لسلطتهم وقوتهم، وبالأخص قُوة الحاكم، الألفا»، أكملت حديثها وها قد حدث معها كما في المَرة السابقة، عيناها تتوهجان وصوتها يتغير قليلًا، الحاكِم! 
 
«إنهُ الشاب ذاته!»، همَست بخفوت، لكنني واثقة أنها سَمعتني.
 
«دانيال ابن الألفا والتر واللونا ريجينا، هو حاكم عالم الخَوارق والألفا الجديد لسلسة المُتَحولين، إنه مُختَلف عن الباقين كلَ الاختلاف، الأقوى والأمهر والأكثر كفاءة وخِبرة»، ها قد أتاني ما أدهشني وصَدمني للمَرة الألف؛ اللونا ريجينا والدةَ ذاكَ الشاب، يا للهول وأنا التي ظننتها بِعمري! أما والده لم أره حَتى الآن، ربما يكون شابًا أيضًا، أؤكد ذلك لأن المُستذئبين لا يَشيخون. بالنَظر إلى الأمر أليسَ اسمه جميلًا؟ حتى اسمه مَعناه حاكم العالِم.
 
«حسنًا، حسنًا»، بعدَ قليل من الصَمت الموتر، حَركت يديّ بِعشوائية أمامي كإشارة على التوقف، وبدأت أزفر الهواء مِن رئتيّ بمشاعر مُرتابة.
 
«إذًا، ماذا يريدون مني؟ ما صلتكِ بي؟ حتى الآن لَم تخبريني، ولماذا أنا هنا في عالم الخوارق؟ أريحيني بجواب هذه الأسئلة اللعينة»، قلت بِغضب قَد تأجج داخلي، ولو كانَ باستطاعتي لجَعلت المكانَ حَولي يَحتَرق.
 
«هيلدا، بدأت الأسرار تُكشف عَزيزتي، وها قد بدأت تعين وتَعلَمين كل شيء، أنتِ ذكية وقَوية، ستتَحملين وتَصمدين، أنقذي نَفسكِ والعالم، أنت الخيط الفاصل بين الحق والباطِل، اذهبي إلى رفيِقكِ وثقي به، أحبيه وسانديه لكي تَستطيعوا هَزم الشر معًا، عندما تَستيقظين سَتجدينه جانبكِ، سيطلعكِ على الحلّ أيضًا، لكن...»، صمتت موجهة نَظرة غريبة إليّ، ماذا هناك؟
 
استمرت بالصمت وبدأت السير متَوَجهة نَحوي، وقفت خَلفي تمسك كَتفيّ بيديها، استغربت من تَصرفها، لكنّي لم أستطع الكلام عِندما اتسَعت عَيناي إثر الصَدمة، أمامي شيء شبيه بالشاشة، يُعرض عليه الكثير من الأمور، ماذا تكون؟
 
«عزيزتي، هذه حلقة الذكريات للعوالم المختلفة، ستطلعكِ على شيء صغير سيحدث معكِ، شيء تجهلينه الآن، لكن عند استيقاظكِ ستدركينه»، لم أفهم ما قصدته لكن ظهرت أمامي لقطات مشوشة قليلًا، ثبت نظري عليها، كان فيها ذراع عليها وشم غريب، عينان مشعتان صفراوان، قتالٌ دامٍ ومجموعة لا تعدّ ولا تُحصى من المتَحولين، طفل تحوّل إلى ذئب وصعد تلًا عاليًا مزمجرًا بغضب وَحُزن...ماذا ذاك الدانيال يقبلني؟ هذا محرج جدًا!
 
«إنه رفيقكِ، هذا ليس غريبًا»، همسَت لوسيندا بأذني، الرفيق! قرأتها سابقًا عندما كنت مع الأصدقاء، الرفيق هو الشخص المُقدر للذئب أو الذئبة وترتبط أرواحهما، ويشعران ببِعضهما سواء أكانوا من المستذئبين ذاتهم أم من غيرهم.
 
«إذًا هو رفيقي»، همست بمشاعر مضطربة، دانيال حاكم سلسلة الخوارق يكون رفيقي! أنا التي لا تَعلم حقيقتها!
 
«أعيدي نَظركِ هناك»، أخرجتني لوسيندا من شرودي، نظرت لها بجانب عينيّ، كانت تُشير إلى حلقة الذِكريات ففعلتُ وأعدت نَظري، وجدت عَرضًا آخر عليها، ما هذا؟
 
صراخ امرأة ممددة على سريرها، رجل يشعر بالخوف والقَلق، صراخ طفل رضيع في أرجاء المكان، تَهلهل وجه الرجل وهو يقبل زوجته بحنان ويحمل طفله الرضيع، يبدو أنّ هذا الطفل ابنه.
 
«ماذا سَنُسمي طفلتنا؟»، سألت المرأة التي بشكل ما تشبهني جدًا، لمَ أشعر بالغرابة منهما؟ مشاعر غريبة...
 
«هيلدا»، صدمة أخرى، أهذه أنا أم ماذا؟ أنا بعمر الثلاث سَنوات! تلاشى كل شيء وظهر ذاك الرجل والمرأة بجانبي.
«هيلدا، أنتِ خيط بين الخير والشَر، أنتِ نجاة مملَكة المُستذئبين، رفيقكِ سَينتظركِ، حتى بعد أن يَظن الآخرون أنكِ قُتلتِ، لكن لا تَستسلمي، هيلدا، أنتِ مختلفة، ستُطاردين وسيحاولون قَتلكِ وربما سَيَسعون لأخذ قواكِ وهذا الذي لا شك فيه لكن كوني قوية، لوسيندا سَتَحميكِ إلى أن تعثري على رَفيقكِ»، لم أستطع التحمل أكثر وانهرت أرضًا، فافترشتُ بحرًا من الدموع يقوى على حملي.
أشعر بالتعب والألم الغريب، أشعر بعينيّ تَحرقاني ويديّ أيضًا، شيء ما يَحرق مِعصمي، لكن ليست لدي القوة لأنظر إليه، شعرت بأن ظهري يتَمزق مع كل ما أراه، إنهما والديّ، ماذا يَقصدان؟ هل يعرفان أنّ دانيال رفيقي الروحي؟ لماذا رمياني؟ في كل مرة وكل ثانية تزداد أسئلتي ولكن لا أجد مُجيبًا!
 
لم أعد أرى شيئًا، كأنني سأسقط مرة أخرى وهذا سيؤدي إلى استيقاظي، استَدرت ببطء وتَعب وألم يأكل جسدي ورأسي أبحث عَن لوسيندا التي همت تسير بَعيدًا عني.
 
«كيف ذلك؟ من تكونين؟ ومن أكون أنا؟ أين الجميع؟ لماذا يحدث هذا...»، كَم كنتُ أرغب في الصراخ، وأسألها عن كل غامض وأفكَ ذاكَ الغموض الذي يحيطني، حقًا لقَد تَعبت، لكنني لم أستطع المواصلة، سَقطت بالفعل ورأيت لوسيندا تلتفت مبتسمة في وجهي وهيَ تُحرك شفاهها، أظنّها قالت شيئًا!
 
«سيلفا ستعلمكِ الباقي، سنلتقي في الواقع دون أحلام»، وصَل لي ما كانت تقوله، أنا فقط أغمضت عينيّ مُستسلمة، سيلفا، سنلتَقي في الواقع دونَ اللجوء لأحلامي، حياة غامِضة!

أنـدِرسـون Where stories live. Discover now