الفصل الثالث || مَـشاعِـر غَريبة

39.2K 2.4K 349
                                    




• أندرسون •
• مملكة الذئاب •

أطوف بينَ ظُلمات الفضاء، لا أعلَم أين أنا أو في أيّ مَكانٍ أنا، كُل ما أتذَكره هوَ مُقابلتي الفتاة أو خليلة روحي، الفتاة التي هي أنا!
إنهُ أمرٌ غَريبٌ، أليس كذلك؟
تَنهدت بِقلة حِيلة وعدت أنظر إلى ما حَولي، عَلي أجد شيئًا يُفسر لي كلَ تساؤلاتي الحالية، لكن لا شيء، أجل، لا شيء غَير الظلام يتَخلله هدوءٌ مميت، أنا ضائعةٌ في المَجهول لا أعلم أين أنا، ولدت في ظرف غامضٍ، لا أدري شيئًا عن عائلتي، وخَسرتُ أصدقائي في ظرف مُرعب غَريب.
 
«اللعنة، فليُجبني أحد!»، صَرخت بِقهر وقوة، لَكن لا حياةَ لِمن تُنادي، لا أحد سواي أنا فقط. وحيدة ومنكسرة وجاهلة، أجل، أنا كذلك. أجهل ماضٍ غامضٍ لا أدرك أوقاته، وضائعة في حاضرٍ لا أعرف أسراره، أنا فقط ولدت وَحيدة وسأموت وحيدة، قَلبي مُحطم، لطالما تظاهرتُ بالقوة والبُرود والتَحمل، لكنني هشة وحساسة أنا أشعرُ بالبرد والألم.
 
عانقتُ نَفسي وأنا بِوضعية الجنين، كنتُ أطفو في العَدم المُظلم، لا أرى شيئًا وليس لي رغبةٌ في ذلكَ، فقط تكورت على نفسي لأمدّ ذاتي بشَجاعة مُزيفة وأملٍ وَهمي فليسَ لي سواي.
 

.
.
 
«في سَمائي والغَمام
كُنتَ لي، شَمسًا سلامًا
في يأسي، في ضَعفي
في حُزني، في خَوفي، كُنتَ لي
فَرَحًا يَمحو عَن روحي الظَلام
في خَيالي لا يَنام
لَحنُ صَوتكَ والكَلام
في حُلمي، في وَعيي
يَجتاحُ مَسامِعي لا يَغيب أعوامًا
وَأعيش في عَناء
عالَمي أسود دونَ غناء
وَحياتي لا يُرى فيها ألوانٌ أو نَقاء
يَتثاءب المساء
والنجوم تُنيرُ في السَماء
والدُموع تَسيرُ بي على ألحان البُكاء
تَدوي بها هُنا مَشاعرٌ تَهيم!
ها هُنا في قَلبيَ اليَتيم
بَينَ ملايين الأشياء، بَينَ رمادٍ هَشيم
حُبٌ وما يَزال يَعيشُ في الصميم
يَدنو ويَقودني سَريعًا للجنون
يَقودني لأنسى مَن أكون
يَرميني بَينَ الأشواك، ويَزيدني شُجون
وَيُعاني من تَفاصيل الوداع!».
 
.
.

دونِ إدراكٍ مِني أو وعي، بدأت أغنّي هذهِ الأغنية التي بِطريقةٍ ما أعرفها منذُ كنتُ صَغيرة وأيضًا لشعُورٍ آخر، أظنني مُرتبطةٌ بها بشكلٍ مِنَ الأشكال، كلماتها مُرتبطة بِحالي، بالذات عند إحساسي أنّ هناكَ من يُحبني لَكنني كَسرته بقوة!
ليسَ ميغان ولكن شخص آخر مَجهول الهَوية، هذا ما أشعر به ولَستُ أمزح.
 
«تَمتلكين صَوتًا جميلًا في الغناء كالعادة»، بينما كُنتُ شاردة في أفكاري، أخرجني مما أنا فيه صوتٌ رَقيقٌ ومألوفٌ، خمنت مَن هي وكان تخميني في مَحله.
 
«أنتِ!»، حالما رَفعت رأسي واعتدلت في وَقفتي وجعلت قَدميّ تُلامسان اللاشيء، رأيتها أمامي فأردت أن أقول اسمها لكن تذكرت أنني لا أعرف اسمها وهي لَم تُخبرني به، لذلك ناديتها (أنتِ) رغمَ أنها أنا كما تَقول، أنا فعلًا لا أعلم كَيف هي أنا!
نحنَ لا نَتشابه سوى بالبشرة السَمراء وطول الجسم المتوسط وشكله أيضًا، أيوجد شيء آخر؟
 
خَرجتُ مِن سلسلة أفكاري مرة أخرى على صوتها وهي تَنطق اسمًا غريبًا جَذابًا «لوسيندا».
 
«ماذا؟»، سألت، ليس لشيء لكنها نَطقته فجأة، هذه أول مرة أسمع فيها هذا الاسم.
 
«اسمي لوسيندا، عزيزتي»، بحق الله، أهذا اسمها؟ إنه جميل ويليق بشخصيتها الغريبة الفريدة.
 
«شخصيتي غَريبة لأنها تَعكسكِ، فأنتِ أنا، مالكتي»، يا إلهي، صَدمة أخرى (مالكتي)! نسيت أنها تقرأ أفكاري أو تَعرفها لأنها أنا، وما بال مالكتي هذه؟
 
«هوَ الوَحيد الذي سيُخبرك بما تريدين معرفته، ولكن...»، نظرت إليها بتمعن وأنصتت لحديثها عِندما بدأت الكَلام فاشتعلت عيناها بذاكَ اللون الجذاب والغَريب، مزيجٌ من البنفسجي والقرمزي، عينان مِثاليتان.
«أنا سأخبركِ بسرٍ واحدٍ أو حقيقة واحدة في كُلِ مرة نَلتقي بها».
 
همَست معيدة آخر جملة: «نَلتَقي بها!».
 
«أجل، في حلمكِ. وفي الواقع ستجدينه وهو سيساعدكِ في إيجاد ذاتكِ، ويخبركِ ما تريدين معرفته، هو الأقوى والأذكى، تهابه جميع المَخلوقات ولا يخضع لأحدٍ سواكِ.»
كل كَلمة تَقولها أكثر غموضًا من سابقَتها، من يكون هذا الذي ذكرته سابقًا؟
 
«أنا لا أفهم شيئًا لوسيندا، أنا تائهة»، فقدت أملي الوهمي فتَرجيتها بنبرة مُتعبة ظَهرت في صَوتي.
«يجب أن تَكوني صَبورة أندرسون، ستَعرفينَ كل شيء مع الوقت، أما الآن استيقظي، هو قلقٌ ويَنتظركِ بلهفة وشَوق»، من يَنتظرني؟ حقًا هناكَ شخصُ ينتظر عَودتي ومتَلهفٌ لي، هناك من يحبني!
 
«لا تَفزعي من تَصرفاته، هو لديهِ الحق في ذلك»، أفزع من ماذا؟ وأيّ حق لديه؟ عمّ تتَكلم؟
 
«أي حَ...»، لَم أستطع إكمال حَديثي مَعها فَلقد بَتره ذاك الظلام الذي خَيمَ على عينيّ، وشعرت بشيء يَسحَبني نحو القاع بينَ المياه، كما حَدثَ في المرة السابقة، وإلى الآن لا أدري ما حدث حتى وجدت نفسي في ظلام دامس. 

أنـدِرسـون Where stories live. Discover now