الفصل الخامس : قتل الوحش شخصا اخر

40.2K 1.9K 124
                                    

عادت لمكتبها ، تخطط للعودة باكرا لبيتها ، فالشعور بالعياء يتكملها , كان أسبوع صعبا بالنسبة لها لكنه سوى بداية لما ستفعله ، شيء ما بذاخلها يجعلها تؤمن بأنها تستطيع إنقاذ كل من في السجن و إعادة الامل لحياتهم بعدا أصبح الامل و التفاؤل مصطلحات مبهمة بالنسبة لهم ، لكل سجين قصة ، لكل سجين صدمة دفعته لإرتكاب الجرم ، تراكم صدامات الطفولة و تراكم المكبوتات والرغبات الدفينة بذاخلهم ، كسر أحلامهم و التلاعب بمشاعرهم هو ما جعلهم جناة ، و لا يعني الامر بأنهم أبرياء لكن مكثوهم بالسجن هو العقاب بحد ذاته ، تجريدهم من حريتهم هو أقصى عقاب يمكن أن يعاقب به المرء ، أما إعطاءهم فرصة لتصالح مع ذاتهم فهو من حقهم ومن حق كل كائن بشري
دق بسيط على الباب ، إستئذن نائب المدير ، وفور ذخوله أردف قائلا
" حضرة الطبيبة ، لقد توصلنا بطلب من محامي السيد مارت يلتمس فيه استفادة موكله السجين مارت البرت من الرعاية النفسية ، مشيرا بأن السجين قد غير رأيه و يريد استئناف العلاج " وضع ملفا على مكتبها , التقتطه و أجابت
" من دواعي سروري سماع ذلك ، تم تعويض توقيت حصصه بحصص السجين انخيل ، بالتالي ستصبح حصص مارت ... " صمتت بينما تبحث ذاخل مفكرتها عن توقيت مناسب وبعد مدة اكملت قائلة :
" حصة غذا صباحا و يوم السبت "
اومئ لها لينصرف ، لكنه توقف أمام الباب متداركا و التف لها
" لكن يوم السبت هو يوم عطلتك الاسبوعي "
اجابته فورا " اجل لكنني قررت العمل ، أيوجد خطب في ذلك "
_ لا .. لا يوجد خطب في ذلك ، استسمحك إذنا
أشارت له ليخرج

____________

ذاخل الزنزانة، مستلقي فوق سريره ، مغمض العينين ، نشب شجار بين احد السجناء المستقويين و سجين جديد و قد بدى من ظاهره انه شخص لا يجيد العراك او النزاع ، فقد حاول تدارك الامر و الانسحاب من الشجار المحسوم أمره من بدايته فضخامة الطرف الاخر و تشوه وجهه يوحي بحياة حافلة بالعراكات و المشاجرات ، فتراجاه خاضعا ، و تأسف له كثيرا ، لكن ضعفه و خضوعه زاد من حدة استقواء الاخر فرفعه من ياقته نحو الاعلى بيد واحدة ، مستعرضا قوته على باقي السجناء بينما اكتفى الضعيف بطلب السماح ، فتح الوحش عيناه بتتثاقل و قد بدى غاضبا فلم يسمحوا له باخذ قيلولة كما يشتهي ، فالنوم ليلا لا يزوره ، و ما إن نهض حتى تفرق السجناء من حول المتشاجرين و عادوا لأماكنهم خوفا و خشية منه ، وظل المستقوي يضحك على حال المسكين بين يده ،
امسك مارت يده بقوة و سحبها لينزل السجين أرضا ويفر هاربا نحو مكانه ملتفا حول نفسه ، استدار مارت نحو مكانه الا ان السجين امسك ذراعه بقوة مانعا اياه ، نظر مارت لليد الممسكة بذراعه و رفع رأسه نحو الضخم ونظر اليه نظرة مفادها اسحب يدك برضاك ، لكنه أبى ذلك ، وماهي إلا لحظات حتى أسقطه أرضا ، اخرج السجناء رؤوسهم ينظرون بحذر نحوهم ، أبرحه ضربا و كانت كل محاولته للدفاع عن نفسه أو صد الهجوم فاشلة ، فكما اعتادوا القول لا أحد يستيطع الوقوف أمام الوحش ، حمله بعدما خارت قواه و بدأ برطم رأسه مع الحائط حتى فقد وعيه و لم تعد تظهر ملامحه من كثرة الدماء ،

________________

يجرون عربة الاسعاف في الممرات ، يحاولون اللحاق به للمستشفى حيا ، مكبل الأيدي مقيدا بالسلاسل الحديدية ، يجرونه الحراس نحو المنفردة ، ملابسه تطفوها الدماء و يداه أيضا ، داع الخبر بسرعة ذاخل أرجاء السجن ، قتل الوحش شخصا أخر
انتهى يوم عملها ، خرجت من السجن ، لمحت سيارة اسعاف، سألت أحد الحراس بالخارج عن سبب وجودها أمام البوابة فأجابها بلا مبالاة :
_ سمعنا أن الوحش قتل سجينا اخر
هبطت كلماته عليها كالصاعقة ، طلبت منه فتح الباب مرة اخرى لتذخل مسرعة نحو زنزانته ، لتتأكد من ذلك ، رافقها احد الحراس للذاخل ، اثار الدماء تعلو الحائط و تكسو الارض ، اتجهت نحو بعض السجناء تسألهم عن ما حدث ، اختلفت الاجابات ، كل منهم يقول شيء ، منهم من يثني على قوة مارت و مهارته في إسقاط الخصم ، والبعض الاخر يبدي إستاءه وخوفه الدائم منه ، و أن غضبه لا يقدر أحد عليه ، صوت ما من خلفها صاح قائلا " مارت لم يفعل أي شيء ، فقط حاول الدفاع عني ، و الدفاع عن نفسه ، أثار الضحية غضبه فسرعان ما تحول الى وحش لم نستطع ايقافه ، لكنه بريئ، فقط دافع عني وفعل ما عجز عن فعله كل هؤلاء " التفت الطبيبة نحوه و كان هذا الرد هو ما تبحث عنه وتريد سماعه
_____________

تجري في الممرات نحو جهة الزنزانات المنفردة ، لمحت الحراس يسرون به مكبلا نحو اخر الرواق حيث تقبع أصغر زنزانة و أقذرها ، صرخت لهم قائلة
" توقفوا ، لن تلقوه هناك ، سيعود لزنزانته "
توقف الحراس و استدارو نحوها ، مشت بخطوات مسرعة اتجاههم ، وأعادت ما قالته " لن تلقوه بالمنفردة "
اكتفى مارت بالنظر اليها متسائلا عن سبب دفاعها الدائم عنه ،
" حضرة الطبيبة ، نحن نطبق الاوامر فقط وقد أمرنا المدير بزجه ذاخل السجن المنفرد "
اقتربت من مارت وخاطبته قائلة " سأتحدث الى المدير ، سأخرجك من هنا "
___________

عند غرفة المدير توقفت قبل طرق الباب تلتقط انفاسها ، استئذنت وذخلت إليه
_ سيدي المدير ، قاطعها مقلدا صوتها
_ سيدي المدير ، أطلب منك إخراج الوحش من المنفردة بسبب الضغوطات النفسية التي سيتعرض لها ، هذا ما أتيت من قوله أليس كذلك ؟
_ أجل ، سيدي المدير
_ يؤسفني ان أخبرك بأن طلبك مرفوض كل الرفض
_ سيدي المدير ، إن مارت حاول الدفاع عن زميله في الزنزانة و أظنه سبب كافي لإخراجه من هناك
_ اتساؤل حقا ، كيف اوقعك في شباكه !
_ عفوا ! قالت غير مستوعبة ما يتحدث عنه ، استدرك كلامه قائلا
_ اتحدث عن السجين مارت البرت ، كيف أوقع سيدة مثلك في شباكه ، لا شك ان النساء ينجذبن للرجال أمثاله ، و انا لو كنت إمراة لانجذبت له ، اجاب مستهزءا
_ سيدي المدير ، اتدرك ما تتحدث عنه ؟
_ هل تركضين الممرات هكذا من أجل كل سجين نلقيه ذاخل المنفردة ، اتريدين القاء نظرة حول عدد سجناء المتعفنين هناك بصمت ، أخبريني إذن لما تتعبين نفسك لهذا الحد من اجل قاتل قذر ؟
_ لا أظن انك تستوعب ما تتفوه به ، كما ان السيد مارت يعتبر مريضا لدي و من واجبي الدفاع عنه
_ اجل ، اجل ، لكن بعد إذنك لدي عمل اقوم به غير الاستماع لكلامك العاطفي ، لكن لا شك أنه أثر بي كثيرا

الوحش : The Beast Where stories live. Discover now