الفصل العشرون : غروب الشمس

25.8K 1.2K 97
                                    

أشرطة الشمس البرتقالية المتوهجة تطفو في السماء لتخترق السحاب و تضيف ألوانها إليه .
إنه " غروب الشمس " الخاطف الذي يجعلك تضع ما بين يديك و تقف مسحورا تراقب المنظر البديع ، منظر يحثك على التأمل و الاستجمام ، مريح للنفس ، كان الاغريق قديما يرسلون رجلا عبر قارب خاص نحو الشمس ليجلب الطمأنينة و السعادة ، تريد مارلين ذلك القارب الآن ، تريد أن تذهب نحو الشمس و تنتزع شعور السعادة مهما كلفها الأمر ، تريد أن تسافر بعيدا نحو الشمس دون أن تخاف من حرها و لهيبها ، مستعدة لذلك ، كانت قد قرأت في مكان ما ، أن سعادة جوهر ذاخلي ، و أن المؤثرات الخارجية تعطي مشاعر زائفة فقط ، أننا فقط من نستطيع التحكم في مشاعرنا من خلال قوة تكمن في أعماقنا ، قوة عظيمة ، من خلالها نتواصل مع الكون و نشعر به , فقط من خلالها نستطيع لمس السماء ، كانت تؤمن أن بوسعها الابتسام بكل أريحية وسط كومة من المشاكل و الهموم إن أرادت ، و كم كانت غبية لتصدق ذلك ! فالأمر صعب إن لم يكن مستحيل ، فقد خمذت طاقتها و إنطفئ حماسها ، تنتظر معجزة تشد على يدها و تنتشلها من الجحيم
تنهدت تنهيدة عميقة ، مزيحة نظرها عن النافذة ، و التفت نحو هنري ، لم ينتهي بعد من خطاباته ، كانت زبدة الموضوع ، أنه لم يرى شخصا بعنادها و حمقها و أنها يجب أن تكون شاكرة من أجل عن تضحياته
_ شكرا لك، كانت نبرتها تدل على كل شيء ما عدا الشكر و الامتنان
_ اه ! مارلين ، إنك لا تفهمينني ، إنني أضحي بنفسي من أجلك ، إن حياتك تعني موتي ، لا أحسبك تستوعبين الأمر قال بغضب واضح
_ فعلت ذلك جراء اتفاق كان بيننا ، لا تتحدث الآن و كأن ما فعلته كان حبا في ، ردت بجفاء
_ لكنك خنتي العهد وهربتي الى هنا و أول ما فعلته هو سرقة سيارة و جعل الشرطة تلاحقك
_ لم أفعل ذلك عمدا
_ لا تجعليني أندم على قراري
قالت بنفاذ صبر
_ لا يزال في وسعك التراجع عنه
نهضت بعدما ساد صمت عقيم بينهما ، كانت يدى هنري ترتجف غضبا ، و ما لبث ينظر إليها بعيون تتطاير منها شرارات الهيجان ، إنصرف من أمامها بدون أن ينس بحرف و صفع الباب خلفه بسخط

******
إستقر مارت في لندن ، جوها الضبابي أشعره بالاختناق و زاد من وحدته ، كانت أفكاره مشوشة فذهنه متعب جراء التفكير المستمر و قلة النوم ، أعطى تعليماته لألكس ، هذا الأخير لم يكن سعيدا أبدا بعودته لأنجلترا لكنه لا يستطيع التخلي عن مارت ، فأقنع نفسه بأن العبوس لن يجدي نفعا و بأن عليه القيام بما طلب منه فكلما أسرع في إيجاد المعلومات المتعلقة بإدوارد كانت عودتهما لإيطاليا أسرع ، لكن الطريق نحو المعلومات كان شبه مسدود فعلم أن مهمته صعبة و ستسغرق طويلا ، كان قد كلف بالبحث حول صلة إدوارد بالحكومة ، و قرر مارت أن يتكلف بأمر المدير ووسيلة إجباره على الإعتراف

********

إستيقظت مارلين بألم في الظهر جراء وضعية نومها غير المعتدلة فوق الأريكة ، كانت قد أبت التحرك من هناك و لم يعارض هنري ذلك ، نهضت نحو الحمام بخطى مترنحة ، تنظر لنفسها في المرآة ، من هذه ؟ أتلك هي ؟ ذات البشرة القطنية و العيون الواسعة الرائعة و الخذوذ المتوردة .. لا ، لا تشبهها فهي تنظر الآن لإمرأة شاحبة الوجه تعلوه هالات سوداء مخيفة ، مشطت شعرها للأعلى ، ليعلق بأكمله ذاخل المشط ، وضعته جانبا بلطف و فتحت صنبور المياه لتغسل وجهها ، لكنها ظلت متسمرة تنظر للمرآة بينما كفيها مملوءة بالماء ، ألم الصدر و تسارع نبض القلب ، إفرازات لعابية أثناء النوم ، تساقط الشعر ، شحوب الوجه ، بدأت أعراض الضغط النفسي تظهر بصورة كاملة ، هل ستسقط ضحية له قبل أن تتمكن من أخذ ثأرها !
خرجت من الحمام لتجد هنري ينتظرها من أجل الفطور ، لقد ذخل للتو ، لم ينم بالبيت ، جلست بجانبه بملامح حزينة لم تكلف نفسها عناء إلقاء تحية صباحية أو تمني شهية طيبة ، تناولا الطعام في صمت لكن ذلك لم يدم طويلا فافتتح هنري باب الحوار قائلا :
_ تبدين متعبة !
_ عجبا ! لم أدرك ذلك
_ كفاك سخرية ، يجب أن تأخذي الأمر على محمل الجد
_ لا أجد كلامي ساخرا بقدر تعليقك ذاك
_ لماذا تؤولين حديثي دائما ، مهما فعلت أظل سيئا في نظرك
_ ماذا فعلت يا هنري ماذا فعلت ، أيجب أن أظل خاضغة لك لأنك لم تقم بقتلي
_ أجل , تتحدثين و كأن الأمر بسيط ، إنها مسألة حياة و موت
بدأت أصواتهما تعلو و أخذ النقاش منحنى معاكسا لما أمله هنري ، فمارلين كانت تتوق للصراخ و الشجار ، تريد تفريغ ذاخلها ، فتلك التراكمات أصبتها بالأرق و التعب
ردت عليه بصوت أجش يفيض غضبا
_ لقد سئمت من هذا ، لقد.طفح الكيل ، لن أكون عبدة لك فقط لأنك قمت بحمايتي بضع مرات ، صمتت لمدة تنظر إليه ، و تلتقط أنفاسها لتتابع
_ اتعرف ماذا ؟ إن كل ما أتذكره عندما أراك هو تعذيبك لي ، مهما فعلت ستظل وغذا سافلا ، عبدا لمنظمة حقيرة ، و لن يتغير ذلك
قام بصفعها بعنف ، لتتراجع بضع خطوات للوراء ، إستندت على الطاولة تستعيد توازنها ، انتلامت عيونها بالدموع , تحسست خذها برتجاف ، لم تنطق بأي حرف ، بدى نادما على فعلته ، فاقترب منها بخطوات بطيئة يتمتم بعبارات التأسف ، رفعت رأسها تنظر إليه ، لم تستطع منع نفسها من البكاء ، إقترب منها أكثر ، يعانقها ، أسندت رأسها على صدره ، بينما تتحسس الطاولة بجانبها ، أمسكت السكين بإحكام لتطعنه بقسوة ، نظر إليها بصدمة ، ثم أسقط نظره نحو السكين بيدها المنغرز بأحشائه ، لم تزح نظرها عنه ، نظراتها القاسية مفادها نلت منك ، أدرات السكين ليصرخ متأوها قبل أن يدفعها بعيدا ، أراد اللحاق بها لكن قواه خانته فسقط على الفور أرضا ، إلتقطت مفاتيحه و أردفت قائلة بنبرة جافة
_ سأنهي ما أتيت من أجله ، حاول أن تبقى على قيد الحياة إلى أن أعود

********

كان مارت قد وضع المدير على رأس قائمة المتهمين ، و عزم على الذهاب إليه ، كان من البديهي أن يشك في قتله للطبيب ، و إعتراف منه كفيل بتنظيف سجل مارلين و إثارة التساؤلات ، قد يضعه ذلك في موقف خطر ، فالتساؤلات دائما ما تجد طريقها نحو الأجوبة و جواب إختفاء مارلين مرتبط بهروبه ، لم يأبه لذلك ، و نفض أفكاره بعيدا
ركن سيارته أمام بيت المدير ، طرق بابه بضع مرات ، فتح من طرف طفل صغير يبدو في السابعة من عمره ، خلفه طفلة أصغر سنا
_ أهلا من تريد !
ما إن أنهى جملته حتى ظهر من خلفه المدير بملابس منزلية ، أسقط كوب قهوته جراء صدمته
_ ألن تسمح لي بالذخول ، أزاح سترته قليلا ليتسنى له رؤية المسدس
دفع أولاده بخفة قائلا :
_ لدى بابا عمل يقوم به ، هيا كل لغرفته ، هيا .. هيا ..
ركضا نحو السلالم يتسبقان في بينهما ، إنتظر مارت إختفائهما ليخرج مسدسه ، أشهر في وجهه بينما يدفعه للذاخل ،
_ مارت .. إنك تقحم نفسك في أمور أكبر منك ، ستندم على ما تفعله
شد قبضته على ياقته ليرفع للأعلى ، بدى المدير ضئيل الحجم بشكل غريب ، خائفا مترددا كما إعتاد أن يكون دائما ،
_ فيما تورطت مارلين ؟ ستخبرني بكل شيء
_ ستلاقي نفس حتفها حتما
شد على قبضته بقسوة ، أخذ يترفس بين يديه ، يحاول إنقاذ نفسه من الاختناق لكن بدون جدوى ،
سمع صوت فتح الباب ، فدفعه بعيدا عنه ، ذخلت زوجته محملة ببعض الأغراض
_ ماذا يحدث هنا ؟
عدل المدير ثيابه وقال بشكل متقطع
_ صديق قديم ، سينصرف الآن ، أليس كذلك !
أومئ مارت برأسه إيجابا وقال
_ سأرحل الآن ، لكنني سأعود ، جهز عبارات مناسبة تخبريني بها عند عودتي

*******

لم تصدق أن ما تراه حقيقي ، إختبئت بسرعة قبل أن يتمكن من لمحها ، كيف يعقل ؟ ما الذي جاء بمارت لمنزل المدير ؟ أيعقل أن يكون شريكا للمنظمة ؟ هل كان شريكا في جرائم القتل الشنيعة التي حصلت ؟ لا يعقل أن يكون الأمر برمته مجرد خطة للنيل منها ، لا يعقل ذلك
ما الفعل الخبيث الذي قامت به لتلقى قدرا كهذا ، أيعقل أن يتلقى المرء صدمات متتالية كهذه في حياته و يظل عاقلا ، تسارع نبض قلبها و شعرت بتخذير في يدها اليسرى ، لم تعد تستطيع تحريكها ، أسرعت للسيارة تعود أدراجها نحو هنري ، ملاذها الوحيد ، قطع طريقها سيارة سوداء فاخرة قبل أن تتمكن من ذخول الطريق الرئيسي ،

******

يمشي في الممرات البيضاء الواسعة ذاك النوافذ الفرنسية الطويلة ، يقف أمام مكتب علق على بابه لافتة صغيرة نقش عليها إسم بلون ذهبي " مستشار الوزير گابرييل رايس " طرق الباب بضع مرات ، قبل أن يذخل لمكتب الواسع ذو الطراز الكلاسيكي ، حيث يجلس رجل شائب الشعر ، مجعد الوجه بتفاصيل تنم عن الخبث و المكر ، فوق كرسي جلدي كبير ، و في حضنه جرو أبيض اللون ، يقوم بمداعبته ، بينما يرتشف من سيجاره الفاخر ، ظل السكريتير واقفا بعد.إنحناءة بسيطة كتحية لطيفة قبل أن يشير له بالحديث فإستطرد كلامه قائلا ، بعدما وضع ملفا فوق مكتبه
_ معالي الكولونيل ، لقد سجلت كاميرات مراقبة فندق ايكسيل فيديو يدل على أن مارلين لا تزال على قيد الحياة ، كما بلغ عنها أحد زبنائه و قد أدلى في شهادته أنها رافقته في رحلة من إسبانيا و قامت بسرقته و الاعتداء عليه
لم يبدي أي رد فعل ، إلتقط الملف يتفحص الصور
_ يبدو أن رجل الاستخبارات يحيك بعض الحيل

الوحش : The Beast Where stories live. Discover now