الفصل الواحد والعشرون : الإتفاق

24.5K 1.2K 103
                                    


تحلت مارلين بشجاعة كبيرة ، و كأنها لا تأبه لمصيرها مطلقا ، ترجلت من سيارتها بعدما حاصرها بضعة رجال مسلحون ، هدأت من روعها و قابلتهم بثبات ، كل ما في الأمر رصاصة تخترق رأسها السميك و تهشم ذماغها لتطفأ ضجيج أفكارها المزعجة ، كان صوت ما ذاخلها أعمق من صوت العقل صوت كامن في مكان ما ، مكان عميق شديد الظلمة ، يترضع لله ، يطلب بصوت خافت مرتجف أن تحدث معجزة تنقذها من موت محتم ، وماهي الى ثواني ، حتى تراءت لها معجزتها على شكل سيارات شرطة ، كان الجسر الفاصل بين الطريق الرئيسي و ضواحي المدينة خالي من أي حركة طرقية ، كحاله دائما في هذا الوقت من اليوم ، فأثار إنتباه الشرطة وجود سيارتين متوقفتين وسط الطريق ، مع حشد من الرجال ببذل سوداء ، أخفى الرجال مسدساتهم بخفة ، قبل أن يترك الشرطيون سيارتهم و يتجهون نحوهم ، كانت الصدمة بادية على وجههم و هم ينظرون لمارلين القاتلة _ كما أطلقت عليها جريدة ديلي ميل _
قامو بتكبيل يدها و إذخالها السيارة ، بعدما قام أحد الشرطيين بإلإتصال بالمركز ، كانت السعادة تغمره وهو يحدث رئيسه حول الصدفة الغريبة التي حدتث في طريقهم نحو منزل مأمور السجن المحلي بعدما تلقوا مكالمة منه تفيد بأنه قد تلقى تهديدا من أحد السجناء القدامى
****
ما هي الا ساعات معدودة حتى داع الخبر في أرجاء بريطانيا ، فتجمعت الصحف و الإذاعات حول مركز الشرطة ، ينتظرون بلهفة موعد نقلها للمحكمة ، حيث سيتم النطق بحكمها
كان المركز يعج بالمحاميين و ضباط الشرطة ، و كأن قنبلة إنفجرت هناك ، رغم أن الأمر بمجمله يدور حولها ، كل هذا التوتر و القلق الذي يعم بريطانيا اليوم كان بسببها ، إلا أنها بدت هادئة لحد غريب ، حتى عندما قام أحد المحققين بسكب قهوته فوق قميصها معبرا عن غضبه و إستئاءه لم تبدي أي رد فعل
_ سأسئلك للمرة الأخيرة ، ما الدافع وراء إرتكابك للجرم ، يستحسن أن تجيبي
_ كما أخبرتك سابقا ، لن أتحدث الا بوجود محامي
ضرب بيده على الطاولة و قال من بين أسنانه
_ تصعبين الأمر على نفسك
خرج من غرفة التحقيق ، لتظل وحيدة هناك ، غرفة خالية من أي شيء عادا طاولة في منتصف الغرفة رمادية اللون كحال الجدران و الكراسي ، يداها مكبلة فوق للطاولة بإحكام ، أخفضت رأسها للأسفل ، تعود بذاكرتها لنقطة البداية حيث تطور كل شيء بطريقة سريعة ، غير متوقعة
" إنتحار إدوارد ، هناك بدأ كل شيء ، لقد إنهرت وقتها ، لقد كانت كلماته على تلك الورقة عكس ما كان يصرح به ، حتى خلال فترات إضطرابه لم يعترف أبدا بأنه قاتل ، كان يخبرني دائما أنه بريئ ، و أنه مشتاق لعائلته الصغيرة وعمله ، لكن كل شيء ينتهي هنا ، كان عقله مضطربا مشوشا ، و كأن ذاكرته قد تلفت ، كان هادئا متزنا في كلامه ، يخبرني عن طفليه و عن زوجته , كان يتوقف حائرا عندما يدرك أنه نسى ملامحهم ، كل ما يتذكره هو شعوره معهم ، شعور الأنس و الحب ، كنا نتحدث عن عائلته طوال الوقت ، و في فينة و أخرى ينسى أنه ذاخل السجن ، ينسى إسمه ، كما أنه نسى أنه كان جندي _ كما أخبرني طبيبه _ فقد أخبرني دائما أن عمله يعتمد على تربية الأطفال و مساعدتهم ، كلما تكلمنا عن الأطفال تطفو سحابة سوداء على محياه ، تطفئ بريقه و حماسه ، يخبرني أنه يشعر بشعور الأسى ، لكنه لا يتذكر لما ، كان مضطربا لحد كبير ما أثار تساؤلاتي ، ماذا يفعل شخصه مثله ذاخل السجن ، كيف يعقل أن يسجن شخص بالكاد يتذكر أنه حي ، كان رأيي كرأي أي طبيب نفسي أخر راقب حالته ، لكن الجميع يتركونه في منتصف الطريق و يأكدون إستحقاقه للعقاب ، ذات يوم سألته عن سبب ذلك ، سألته ما إن كان الجميع سيء معه ، أخبرني بأنني لست كذلك ، كما أنه نعتني بملاك الخير ، لا أنسى سعادتي لحظتها إبتسمت له بإتساع لكن إبتسامتي سرعان ما تلاشت عندما أخبرني بأن حارس زنزانته لطيف أيضا فهو يزوده بقطع الحلوى ، طلبت منه أن يحضر لي من تلك الحلوى ، فوافق و أخبرني بأنه يخبئ البعض منها تحت سريره ، حسناا لنعد لإنتحاره ، وجدته مستلقى أرضا و يده اليسرى تنزف بشدة ، بطريقة غريبة و مثيرة للدهشة إكتشفت أنه قتل ، ولا أعرف لما أخبرت المدير بذلك ، ذلك ربما لأنني أردت إزاحة ذلك الثقل من على كاحلي و مشاركة شخص ما أنني لست المذنبة .. كان خطأ فادحا ، أدفع ثمنه بحياتي و حياة من حولي ، على أي علمت أن الحلوى المقدمة من طرف الحارس اللطيف عبارة عن عقاقير مسكنة من نوع المسكنات الأفيونية ، تعمل على تلبيد رد فعل الشخص فتحدث تذاخلا بين ذاكرتيه القصيرة و الطويلة فينسى أحداثا من حياته وهذا ما يفسر أقواله التائهة و المضطربة .. "
قاطع تفكيرها صوت أجش  ، أنين قوي ، أرادت بشدة أن تمسك رأسها بين يديها و تضغط بحدة لكن ذلك كان طلبا غير قابل للتحقيق في الوقت الراهن
                          
                               ****

كان قد تبقى على يوم محاكمتها أيام معدودة ، محشورة ذاخل زنزانة منفردة ، رغم كل ما تمر منه من أزمات و مصاعب ، كل ما تجلى لها ذاخل حجرتها هو طيف مارت ،
كم حاربت من أجله و تألمت لرؤيته محتجزا دون حيلة ، حاولت جاهدة التخفيف عن محنته ، و قد جازاها على ذلك بالكثير من الجفاء
عانت من الكوابيس ، تحلم أنها تسقط من فوق السحاب نحو الجحيم بسرعة فائقة ، تستنجد لكي لا أحد يستطيع سماعها ، تصرخ بدون صوت ، و تتخبط بدون جدوى إلى أن تصل فوهة الجحيم و قبل أن تلامس النيران جسدها ينتشلها أحدهم و يطير بها مبتعدا و قبل أن تتمكن من رؤية وجهه تستيقظ بفزع

الوحش : The Beast Where stories live. Discover now