الفصل الثاني عشر : الطبيبة القاتلة

31.2K 1.5K 59
                                    

إن الانسان بطبعه تواق للمغامرة ، لإشباع حسه الفضولي ، إنها غريزة إنسانية أن نندفع وراء الاثارة ، و الاحداث الصخبة و الاشتباكات ، نحب تدفق الادرينالين في عروقنا و تسارع نبضات قلبنا ، نشعر مع كل هذا بالحياة ، و سرعان ما ننكب وراء غرائزنا حتى يصبح من الصعب العودة للوراء ، او الرجوع لحالتنا العادية الهادئة ويصبح كل ما نأمله هو تلك الحياة الرتيبة الروتينية التي كنا نمقتها
كم أن الكائن البشري صعب الفهم !
لطالما علت صورها الجرائد و الصفحات الإلكترونية بسبب مقالتها المثيرة للجدل حول الحرية و العدالة ، حول السلوكات الخاطئة تجاه أنفسنا و إتجاه الأخرين ، مقالات حول الأمراض و الإضطرابات و مقالات حول العلاقات الإجتماعية والعاطفية
اليوم تكتسح صورها الصفحات الأولى من الجرائد و من الصفحات الالكترونية ، صورها تعلو مواقع التواصل الإجتماعي ، و قد أزيح لقبها الذي إعتاد ملاصقة إسمها " الطبيبة" بلقب أكثر تأثيرا و أكثر جذبا للانتباه " القاتلة "
في الصفحة الأولى للجريدة البريطانية الشهيرة ديلي ميل ، عنوان أسود عريض " الطبيبة القاتلة جريمة تقشعر لها الأبدان ، " تحكي تفاصيل جريمتها وكيف استهدفت طبيب السجن ليكون ضحيتها التالية بعد سلسلة من الجرائم الخفية خلف ستار علمها و عاطفتها ، تقتل من أجل القتل فقط و من أجل إشباع رغباتها الاجرامية الدفينة ، طبيبة نفسية تعاني من اضطرابات نفسية عميقة ، كما أنها متسببة في تحريض سجين على الانتحار ونشر الافكار العداونية و التمردية ذاخل السجن
تفتح أمها جهاز التلفاز ، فيتنهي بها الأمر مغمى عليها من فرط الصدمة ، ابنتها هاربة من القانون بتهمة القتل العمد
هزت بريطانيا من وقع الجريمة ، جريمة وحشية ، وطعن حتى الموت في مناطق متعددة من الجسم بطريقة لا تمت للرحمة بصلة ، و قد زعم مدير سجن أنه شاهد من خلال كاميرات المراقبة طريقتها المتوحشة في القتل و قد شعر بالرعب و الخوف لكونه قد شاركها مقر العمل ، وكان من المحتمل أن يكون هو ضحيتها ، و قد ارتعب لمجرد التفكير في ذلك الاحتمال
على بعد أكثر من 8400 كلم من بريطانيا ، تجلس غير مدركة للوضع ، لكن قلبها منقبض ، شاردة الذهن تفكر في ما سيقولون عنها و تتساءل عن رد فعل أمها عندما تكتشف أنها هربت مجرما ، ربما ستعتقد انها وقعت في غرامه و ستسترجع محادثهما تلك الليلة ، ربما ستكرهها و ربما ستظل تحبها ، لا تدري
ذخل مارت إليها و قد فزعت عندما وضع يده فوق كتفيها
_ مارت !
_ يجب أن نتحدث
عدلت جلستها و التفت إليه ، جلس على حافة السرير المقابل للنافذة حيث تجلس هي ، قام بشبك أصابع يديه و وبدى متوترا
_ أحدث شيء ؟
_ يجب ان تخبريني عن طبيعية ما تورطت به
_ وفيما يهمك الأمر
قام بحك جبهته بلطف و أردف
_ أخبريني فيما تورطتي ؟
أرجعت شعرها للخلف و قالت
_ لا أعرف ، مارت ، الأمر متعلق بالسجين المنتحر ، لقد اكتشفت أنه لم ينتحر و أنه قتل و بمجرد أن أخبرت المدير بدأ اشخاص في ملاحقتي و محاولة قتلي كما أنهم هددوا الطبيب ..
قاطعها بصوت أجش
_ أخبريني ماذا تعرفين ، لا تتلاعبي بالكلمات
تنهدت بعمق ونهضت للنافذة
_ هذا كل ما أعرفه
جرها من كتفها بقوة و قام بدفعها لتلصق مع الحائط وحاصرها بيديه القوتين ، جحضت عيناه و ارتفعت حدة تنفسه ، ارتعبت مارلين من منظره لكنها حاولت التظاهر بعكس ذلك
_ ابتعد عني مارت ، ماذا تظن نفسك ،
ابتعدت عنه لكنه أمسك كتفها مرة أخرى و قام بدفعها لترتطم بعنف مع الحائط
_ لا تغضبيني !
_ ماذا تحاول أن تفعل ؟ لا أعرف أي شيء أخر
أمسك وجهها بيد واحدة وقام بعصره
_ تحدثي ، اعرف أنني تعرفين أكثر من ذلك
رفعت يدها وصفعته ، ثم قامت بركله بواسطة ركبتها
ابتعد عنها بضع خطوات ،
_ لا تقترب مني مرة أخرى
أمسكها من كلتا كتفيها ورماها فوق السرير بعنف بدأت تترفس في الهواء لتفلت من قبضته القاسية لكنها لم تستطع ،
_ لا تعقدي الأمور ، أخبرني مع من تورطتي
كان قريبا منها كثيرا رافعا يدها فوق رأسها بكلتا يده ، ناصبا نظره الحاد على عيناها
قالت باستسلام فلا تستطيع مجابهته أكثر
_ تورطت مع الجيش ، أظنني متورطة مع الحكومة برمتها
أدارت وجهها للجانب الاخر كي لا ترى ملامحه الغاضبة و المندهشة ، بدى كوحش حقيقي و تنفسه الحار يضرب عنقها بقسوة ، كانت خائفة من رد فعل و كلما شد على قبضته أكثر أغمضت عيناها و ضغطت على شفتيها
نهض من فوقها وتركها مستلقية بذعر هناك
قال بسخرية غاضبة
_ تورطتي مع الحكومة و قمتي بالهرب
ضحك بخفة و أضاف
_ أتعتقدين انني سأستطيع حمايتك من الحكومة ؟ سيجدونك و إن ذخلتي في حفرة تحت الأرض
نهضت إليه مسرعة غاضبة وقد سال لعابها من كثرة تهجمها
_ لقد وعدتني بأنك ستقوم بحمايتي ، وستفي بوعدك مثل الرجال ، و إن كان إبليس من يطاردني ستوفر لي الحماية ، نحن الان هاربان من القانون و سنحتمي معا ، لن يقوموا بالبحث عني لقد قمت بتهديدهم
_ تهديدهم ؟ قال بغير تصديق
_ أجل ، هددتهم وتركت الرسالة في مكتب المدير السافل القذر ، أستطيع رؤيته يتحول لجرذ خائف و هو يقرأ كلماتي
لم يراها قط غاضبة لهذا الحد ، صوتها الناعم تحول لصوت قوي عنيف و عيناها احمرت غيضا و غضبا
لم يجبها فقط نظر إليها نظرة بغير تعبير و قبل أن ينصرف التف نحوها وقال
_ سأجهز كل شيء لترحلي بعد يومين
قبل أن تنطق أي كلمة أقفل الباب بقوة
جلست على حافة السرير ، خائفة غاضبة حزينة كل المشاعر السلبية تعتريها ، لا تريد الموت ، ستحارب من أجل حياتها و إن كلفها الأمر حياتها ، ستموت بشرف
سيتركها بعد يومين مع بعض البطاقات المزورة و شعر مزيف و ملابس لا تناسبها و قليل من المال ، ستعيش حياة مزيفة لتنقذ حياتها ، أمر غير منطقي ، هل يمكن للمرء ان يتبنى حياة أخرى ليظل على قيد الحياة ، حياته قد هدرت و أضحى يعيش حياة لا يريدها لا تمثله ولا يمثلها ، يعيش من أجل العيش فقط
____________

في الأسفل يجلس مارت خلفه مكتبه ، يقرأ ما لفقوا من تهم لمارلين ، يشعر بالحسرة عليها لكنه قرر تركها تتخبط وحدها و تواجه مصيرها فقوته لا تكفي لحمايتها ، و قد أوصى محاميه بتجهيز جواز سفر لها و جميع الوثائق التي قد تحتاجها مع حساب بنكي بإسمها الجديد ، لم يكلف نفسه عناء البحث عن اسم جديد لها فترك الأمر برمته لألكس وفور انتهائه سترحل مارلين لإفريقيا لتستأنف حياة أخرى كتبت لها
رن هاتفه من طرف رقم مجهول
_ أجل من معي ؟
أجابه صوت رجولي قوي
_ لا بد أنك قد اطلعت على الأخبار ! أعجبتك أليس كذلك ؟ أم أنك حزنت من أجل حبيبتك الصغيرة
_ من المتحدث ؟ أجاب بصوت غاضب
_ لدينا عرض لك
لم يجب مارت كان ينصت فقط ، فقد أدرك أنه يتحدث مع الفرقة السرية للحكومة
_ أحضر لنا مارلين مقابل حريتك ، لديك مهلة أربع أيام إن حاولتما الهروب أو تلاعب معنا سيصبح العالم أمامك أضيقك من زنزانتك القذرة حيث كنت تتعفن ، ليس لك فقط بل لعائلتك أيضا ، لا تحاول تغيير مصيرها فقد حكمت بالموت منذ زمن بعيد ، من الاحسن لك أن تتعاون معنا ، لأننا سنجدها في جميع الحالات و الخاسر الوحيد سيكون أنت
أقفل الخط
____________

تجلس ليلا بين أشجار الصنوبر المرتفعة ترسم دائرات عشوائية بإصبعها فوق التربة ، سمعت وقع أقدام من خلفها رفعت بصرها لتجد مارت يقف أمامها ، أزاحت نظرها عنه و نفضت التراب من على يدها
جلس بجانبها ، بالكاد يستطيع رؤيتها يسبب ظلام المكان و ضوء القمر تحجبه الاشجار الطويلة
ظلا صامتين لمدة ، ثم قال
_ ربما لو التقينا في ظروف أخرى ، لكان الوضع أحسن مما هو عليه
نظرت إليه نظرة عابرة ثم ركزت نظرها على شجرة المقابلة بها
_ العبرة في الزمان والمكان
لم يجبها ، التقط حجرة صغيرة من الأرض و بدأ يتفحصها
نهضت من مكانها
_ الجو بارد ، سأعود للذاخل
أومئ لها
فانسحبت مسرعة للذاخل
___________

استيقظت بفزع جراء سماعها لصراخه ، أسرعت نحو غرفته لتجده يصارع ذاخل كابوس ، اتجهت نحوه و أمسكت يده و مسحت على رأسه بلطف
_ مجرد كابوس مارت ! أنت بخير ، أنا بجانبك ! أنت بخير
مسحت دموعه بحذر وهي تردد كلماتها ليهدأ تمنت لو كانت تستطيع إقتحام عقله ومعرفة ما يرى و ما الأمر المزعج الذي يجعله يصرخ ويبكي كالمجنون
أمسك على يدها بقوة ، و تناقصت حدة صراخه شيئا فشيئا الا ٱن توقف عن الصراخ نهائيا لكنه ظل ممسكا بيدها ، ظلت هي تمسح فوق رأسه بلطف كي لا يستيقظ وقد لاحظت ان نومه أعمق مما توقعت ، جلست على الأرض ويدها بيده ، حاولت سحبها لكنها لم تستطع ،بقيت تحدق به وتتفحصه ، تذكرت أول يوم قابلته ، عندما سمعت صراخه ذاخل الزنزانة المنفردة ، كان صراخ أقوى و أعنف ، وقد أعجبت للولهة الاولى بملامحه الرجولية الخاطفة ، ورأت فيه لغزا تريد حله و الانغماس بأعماقه
حاولت مرارا الافلات من قبضته وفي كل مرة تسحب يدها قليلا ، يعاود سحبها و يشدها بشكل أقوى ، فاستسلمت له إلا أن غالبها النوم و غفت بجانبه ممسكة بيده

الوحش : The Beast Where stories live. Discover now