الفصل الرابع عشر :الخيار الأصعب

30.4K 1.5K 39
                                    

شعور الدفئ هذا كل ما كان يفكر فيه عند الخامسة فجرا وهو ينظر لمارلين المدفونة في حضنه ، لقد افتقد ذلك الشعور منذ زمن بعيد ، لكنه عاد يشعر به الآن معها ، لم تراوده الكوابيس ، تلك التي ألفت قطع مضجعه معظم الليالي ، ظن أنها ستراوده طوال حياته لكنها اختفت بمجرد أن نام بحضنها ، ربما لا يعترف بحبها و ربما حقا لا يحبها لكنه لا يستطيع إنكار حاجته إليها فهو يحتاج للراحة ، للنوم الهنيئ و قد تأكد أنه سيحصل عليه بجانبها
نهض من جانبها بحذر لا يريد إيقاظها ، ثم خرج من الغرفة
استيقظت مارلين بعد ذلك بمدة ، و ما إن استفاقت كليا حتى شعرت برائحة مارت تستولي على سريرها ، رفعت المخذة لأنفها تتشممها ، حملقت في الحائط بدهشة ، رائحته ، رائحة عطره الرجولية ممزوجة برائحة تشبه رائحة الخشب ، لكن كيف وصلت رائحته إلى سريرها ، هل يعقل أنه نام بجانبها ولم تدرك ذلك ، غير معقول ! شعرت بالخوف يتملكها فجأة ، نهضت من مكانها بتوتر ، و قررت أن تتحدث إليه بشكل أكثر جدية بخصوص وضعهما و عن رغبتها في الرحيل
عند الظهيرة ، كان مارت مستغرقا في التفكير عندما ذخل إليه ألكس ووجهه لا يبشر بالخير أبدا
_ أيوجد خطب ما ! قال مارت
_ أمل أنك إتخذت قرارك بشأن مارلين ؟
تنهد مارت تنهيدة خفيفة قبل أن يقول
_ لا ، لم أقرر ما سأفعله بعد
_ يجب أن أخبرك أن أختك توجد في إنجلترا وقد تكون مستهدفة من طرفهم
ذهل مارت من كلامه
_ وكيف سمحوا لها بمغادرة إيطاليا ؟
_ لا أدري ، لقد حدثني كارلوس صباح اليوم وأخبرني أن كل شيء على ما يرام و أن ماريا في إنجلترا منذ أزيد من أسبوع ، و أخبرني أنها ذهبت من أجل زيارتك في السجن
ضرب مارت المكتب بيده ، ارتعب ألكس لكنه ظل صامتا
_ ستحضر ماريا إلى هنا ان حدث شيء ما لها ستكون السبب
_ السبب سيكون رغبتك في الاحتفاظ بمارلين
_ احضر ماريا
خرج ألكس من الغرفة ليصادف مارلين عند المذخل
_ سمعته صراخ مارت من الأعلى ، أحدث شيء ما
بدى ألكس منزعجا من رؤيتها فتجاوزها بدون أن ينطق بكلمة
التفت إليه تنظر بإستغراب ، ثم ذخلت لمارت ، كان غاضبا كما إعتادت رؤيته ذاخل الزنزانة ، تراجعت عن فكرتها في مناقشة أمر رائحته العالقة في ملابسها و سريرها ، و سألته
_ هل حدث شيء ؟
_ لا أجاب بصوت حاد
إقترب منه ببطئ ،
_ أعرف أن الأمر غير مناسب ، لكن .. صمتت لمدة ثم أضافت الأخبار ، لم تخبرني ماذا قالوا عنا ؟ أتساءل عن ذلك
لم ينظر إليها ، كان يفرك يداه بعنف ، كأنه يحاول التخلص من شيئ ما ، ربما التوتر الذي يحيط به
_ لم يعيرو الأمر إهتماما كبيرا
لاحظت عدم رغبته في الحديث فهمت واقفة لتنصرف ، لكن سؤاله إستوقفها
_ ما نوع علاقتك بالطبيب ؟
إلتفت إليه
_ الطبيب ؟
ركز نظره على الأرضية وكأنه يتأمل لوحة فنية
_ طبيب السجن
استغربت من سؤاله لكنها أجابت بعفوية
_ زميلي في العمل ، لما تتساءل عن ذلك ؟
رفع بصره نحوها و أجاب بصوت جاف
_ تساءلت فقط ، ظننت أن الأمر أكثر من صداقة
_ لا ، لم تتسنى لي الفرصة لمعرفته جيدا ، لكنني متأكدة من أنه شخص جيد
ظلت واقفة تنتظر جوابا منه لكنه لم يعطي أي رد فعل فقالت
_ هل نمت بجانبي ليلة البارحة ! قالت بتردد ملحوظ
_ فعلت أجاب بإختصار
_ وهل بإمكاني معرفة سبب ذلك ؟
_ أردت
بدى صوته أجشا
_ تصرفاتك أصبحت تزعجبني ، أتمنى أن تساعدني في الرحيل في وقت قريب أو سأرحل بدون مساعدة
خرجت لتصفق الباب من ورائها
ما إن إنصرفت حتى رمى كل ما في المكتب أرضا ،
تصمرت مكانها من جراء الضجيج الذي سببه ، و علمت أنه تضايق منها فأسرعت نحو غرفتها ، تشعر و كأنها ذاخل دوامة لا تستطيع الخروج ،شعرت برغبة عارمة في البكاء و الصراخ و التحطيم ، تحطيم كل ما وجد من حولها ، كما حطمت حياتها و أحلامها ، لا تستوعب ما يجري من حولها ، مثلا كيف أصبحت هاربة من القانون برفقة مجرم ومتى وقعت في حبه ،و لما يريد التخلي عنها ؟ كما تخلى عنها كل شيء أخر أحبته ، تذكرت أمها و تمنت أن تسامحها يوما ما ، و تفهم أن دوافعها كانت أكبر من مجرد حب
سمعت صوت محرك سيارته فعلمت أنه يغاذر ، إرتمت على السرير ، تاركة دموعها تنهمر على خذها ، حضنت وسادتها و سرعان ما رمتها بعيدا عندما اشتمت رائحته ،
ذخل عليها مارت ، و دنى منها ثم مسح دموعها بطلف و طلب منها التوقف عن البكاء ، عدلت جلستها وقابلته بابتسامة خفيفة حزينة وقالت
_ لا أستطيع غير البكاء ، فقدت أمي و عملي وحياتي و أنا الان أصارع وحدي
أمسك يدها بقوة ثم رفعها لشفتيه وقبلها وقال
_ أنا بجانبك و سأصلح كل شيء
_ أستفعل ؟
_ بالتأكيد سأفعل , حبيبتي
ردت بذهول
_ حبيبتي ؟
_ أجل حبيبتي العنيدة , قال مبتسما
عانقته بقوة كبيرة و فاضت دموعها بشدة و هي تقول
_ أثق بك ، ستنقذني ، اثق بك ، كل شيء سيكون جميلا جدا
أيقظها صوت طرق على الباب ، استفاقت بفزع ، تمسح دموعها المنهمرة و لعابها المتدفق
ذخل عليها ألكس وبيده صينية طعام ، نظر مليا لوجهها وقال :
_ تبدين متعبة ؟
_ أجل ، أنا كذلك
_ تناولي الطعام، ستشعرين بتحسن بعدها
أومئت له ، لمحت غروب الشمس من النافذة فصاحت قائلة :
_ أنمت كل هذا الوقت ؟
_ أجل ، صمت قبل أن يضيف ، تناوليه قبل أن يبرد
لم تكن لديها الرغبة في فعل أي شيء ، لكنها شعرت بحاجة لأن أن تغرق نفسها في حوض الاستحمام كما إعتادت الفعل في كل مرة شعرت بتراكم الأمور وتعقدها
أحست بثقل يزاح عنها عندما غطست ذاخل الماء البارد ، تتخبط وتتخبط ثم ترفع رأسها لتتنفس بشدة ، و تعاود الكرة مرات ومرات حتى شعرت بالتعب لفت المنشفة حولها و فوجئت بذخول مارت لغرفتها في لحظة خروجها من الحمام ، شدت لمنشفة بشدة خوفا من أن تهوي من يدها المرتجفة و رمقته بنظرة حادة وقالت
_ إطرق الباب قبل ذخولك
_ فعلت ، لكنك لم تجيبي
_ هذا يعني أنني مشغولة ، بعد إذنك إذنا أريد تغيير ملابسي
_ بإمكانك ذلك
_ إن إنصرفت طبعا
قلب عينيه بتملل وقال
_ سأنتظر أمام الباب ، لا تتأخري
أومئت له لينصرف
غيرت ملابسها بسرعة ، ارتدت فستانا قطنيا أبيضا و لفت شعرها بالمنشفة وطلبت منه الذخول
جلست على حافة السرير ، بينما ظل هو واقفا أمامها
_ أخبرني ألكس أنك متعبة ، أتعانين من شئ ما ؟
_ لا ، فحياتي رائعة أليس كذلك ؟
شعر بغباوة سؤاله فحاول ترقيع الامر
_ لم أكن اعني ذلك
_ وماذا عنيت ؟ هل يمكن للمرء ان يعاني من أمر أسوء مما أعانيه ، فقدت أمي و عملي حياتي وها أنا أتخبط وحدي الآن
ما إن إنتهت من جملتها حتى تذكرت الحوار الذي دار بينها ذاخل الحلم ، و تذكرت أنها قالت جملة مماثلة ، فشعرت بالقشعريرة تسري بجسدها وهي تنتظر إجابته لكن رده البارد خيب أملها
_ إنها الحياة ، ستعتادين ذلك
نهضت إليه وقالت
_ لكنك لم تعتد ، رغم قساوتك وصلابتك لم تعتد على عيش حياة لا تريدها ، أستطيع رؤية حزنك الدفين في عيونك و إن حاولت إخفاء الأمر ، أنت أيضا تخليت عن حياتك التي خططت لها و حلمت بها و عشت حياة لا تريدها ، لا أعرف دوافعك لكنك مثلي يعتصر الألم قلبك ، لا تتظاهر بأن راض كل الرضى بما انت عليه و أن الشوق لحياتك الحقيقية لا يراودك كل يوم
إستطاعت أن ترى تأثير وقع كلماتها عليه ، كان ينظر لذاخل عيونها بعمق و بدى واضحا أنها أصابته في جرحه ، ظنت لولهة انه سيكشر عن أنيابه كذئب او وحش و سيقوم بإلتهامها ، لكن كل ما فعله هو الانسحاب ، إنحسب ببطئ وإنصرف
كان ألكس ينتظره في صالون البيت و بيده حقيبته
_ سأغادر الأن ، أردت فقط إخبارك بأنني تحدث إلى ماريا إنها بخير ، لكنها أضاعت جواز سفرها ، لا تتذكر أين وضعته ، لذلك قد تتأخر في العودة فقررت الذهاب إليها
_ حسن ما قررته قال مارت باختصار
_ وماذا عن قرارك أنت ؟
شرب كأس النبيذ دفعة واحدة و أجاب
_ لم أقرر بعد
_ من الواضح انك تريد الاحتفاظ بها
_ على الأغلب أريد ذلك
_ اه مارت ! إنني لا أحبذ فكرتك هذه ، لا تستطيع تكهن ما قد يفعلونه إن لم يحصلو عليها
_ لكن إن سلمتهم إياها سيعذبونها ، لا تستحق ذلك
_ لا يمكنك حمايتها منهم ، لا أظنك تفكر في إصطحابها لإيطاليا معك ؟
_ لا لم أقرر بعد ما سأفعله ، يتوقف الأمر على عودة ماريا
_ أي أنك مستعد لتضحية بمارلين مقابل اختك ؟
_ إنها ما تبقى لي من عائلتي ، مستعد بأن أضحي بأي شيء مهما بلغت قيمته عندي من أجلها ، لكن يستحسن أن لا تضعني أمام خيار كهذا ! و أن تجلبها من إنجلترا بطريقة سلسة



الوحش : The Beast Where stories live. Discover now