الفصل العشرون

122 14 2
                                    


كان "مازن" جالس في مكتبه ذو الطراز الحديث يطالع بعض التصاميم الهندسية  بتمعن إلى أن سمع طرق الباب المنتظم الذي أذن لصاحبه بالدخول، وما كان الطارق سوى (السكرتارية)  تخبره بأن هناك سيدة تدعى (سيلا جوريان)  تريد مقابلته، تلقائيا لمعت عيناه بالسعادة سامحا لها بالدخول، فغادرت (السكرتارية)  وبعدها مباشرة كانت تدخل (سيلا)  بخطواتها الواثقة ملقية عليه التحية بالانجليزية فسمح لها بالجلوس قائلا بابتسامة خبيثة:
_مش ممكن سيلا هانم هنا بنفسها أكيد في حاجه خطيرة بقى.

ابتسمت "سيلا" برسمية متفرسة ملامحه قائلة بجمود:
_ أنا قولت زي ما اتفقنا على كريم وهو لسه محبوس.

ابتسم بنصر قائلا بحماس:
_ أهم حاجه يتسجن.

سألت مستفسرة بملامح جدية:
_ هي مريم كانت تعرف كريم معرفه شخصية يا مازن؟

أجاب نافيا:
_لا، بتسألي ليه؟

تنهدت بقوة مكملة بمكر كي تصل لما تريد معرفته:
_أصل أي اللي يخلي واحد زي كريم عايز يخربلها حياتها.... أنا ملاحظة كمان أن مريم كانت ليها عدوات متعددة زمان اي السبب؟

أجاب "مازن" بتلقائية:
_ اللي زي كريم ده عامل زي الكلب السعران، ومريم بالنسباله صيده حلوه بس مش أكتر،و عدوات مريم زمان كانت عشان أهلها مش حبا يعني في العداء.

أردفت باستغراب:
_ وأهل مريم اي علاقتهم يعني بالناس دي؟

قبض "مازن" على يده بقوة وظهرت على وجهه ملامح الأسى بعدما تذكر ما فعله بالماضي ، فتنهد ورد بهدوء:
_ دي كانت لعبة طويلة أوي أوي ولولا وجود حازم ومريم فيها لكانت عائلة آل فريد انتهت من سنين.

عقدت حاجبيها باستغراب لبرهة:
_ اي اللي دخلكم من الاول مع ناس زي دي إلا لو كنتوا منهم.

كتم"مازن" ضحكته الساخرة، قائلا باستنكار:
_ منهم!!!، لا مش منهم والحمدلله بس الفكرة أن عمي آدم كان عايز المشروع ده عشان يكبر نفسه بس مكنش يعرف الناس اللي وراه فلقى نفسه جوا دوامات صراعات ملهاش أول من أخر.

قبضت على يديها بقوة كي تفرغ مابها من غضب، فسيطرت على هدوئها مكملة:
_مازن ممكن تحكيلي كل الحكاية من الاول.

رفع "مازن" حاجبه بمكر قائلا:
_ هو في اي يا سيلا؟

لوت ثغرها بسخرية شاردة في نقطة فراغ:
_ اللي قبلك فهموني حاجه تانية، وعلى ما اعتقد أنه جه الوقت افهم من صحاب الشأن.

استغرب ما تفوهت به في البداية، لكنه تلقائيا بدأ يخبرها بكل القصة من بدايتها حتى نهايتها وكل ما كان يرتسم على وجهها تعابير الجمود ظاهريا يعاكسها صرخة ألم مكتومة داخليا، فما "مريم" أيضا إلا محاربة مثلها، فتاة لديها حق كي تحافظ على عائلتها من شرور من كان تظن أنه والداها، جاهدت "مريم" ونالت ما تستحق، و جاهدت هي هباءا وخسرت ما كانت تزعم أنها تستحقه.
......................................................
متخفية هي في رداء البراءة والطفولة رغم ما بداخلها من حطام، لم تنل ما كانت تريد من أب احضرها للدنيا وأم تركتها وحيدة لتجاربها، لكن لابد من بدائل، فترعرعت مع شابين أحببنها بشدة، وعما جعلها له ابنة ثانية،قد غمروها حبا بطريقة خاطئة،حبا ناقصا، عاشت حياتها مشتتة بينهم، وجدت كل واحد منهم يعاني صراعاته، فاكتفت الصمت ومشاهدتهم، عل يأتي يوما جديدا تنعم به بما كانت تريده منهم، لكن الصراعات تتوالى معهم وصاحبتهم حتى وجدت نفسها تشق طريقها وحدها دونهم، إلى أن رزقها الله شخصا قاسمها حياتها دون كلل أو ملل، لكن سنة الحياة فاجأتها بحملها في طفلتها الأولى "ملك"، وقتها عادت ذاكرتها كشريط سينمائي يمر أمام عينيها ، وصخبت رأسها بملايين الاسئلة، كيف تكون أم؟
أيكون الحب وحده كافي، أم الاهتمام وحده، أم التربية الصارمة؟
لم ترتشف طفولتها اهتمام الأم أو الأب سواء، أيكون فاقد الشيء يوما ما قادرا على عطاءه؟
أم أن الامومة هي غريزة فطرية يرزق بها الله كل النساء؟
لابد وأن تخوض ذلك الرهان كي تثبت لنفسها أنها قادرة، لكن كي لا تخسر ستكتفي ب"ملك" فقط، حتى يحين اليوم الذي ترى فيه إنجازاتها على طفلتها.

السكون الذي يسبق العاصفة( نصفي الأخر ) الجزء الثالث والأخير حيث تعيش القصص. اكتشف الآن