الفصل الحادي عشر

64.3K 1.5K 64
                                    

تشعر برأسها على وشك الإنفجار؛ رغم ارتشافها لفنجانها المفضل القهوة باللبن والذي أتى به عامل الكافتيريا بلال؛ نجدة لها في اَخر لحظة قبل بدء الأجتماع ، تجاهد في التركيز على مناقشات العذاب وهي جالسة على يمينه ، تعمل بربع طاقتها في تدوين محضر الاجتماعات وملاحظاته التي لا تنتهي ، تزفر بداخلها كل ما وقعت عيناها على ساعة يدها، الشئ الوحيد الذي كان يبعث بالطاقة داخلها ويحثها على الإستمرار، هو رؤية صديقتها وهي تعمل بينهم كفرد منهم، تناقش وتجادل برأيها الحر دائمًا بثقة وقوة، ما أجملها بهية الصورة وعزيزة النفس كاميليا .
- طب انا بقول كفاية بقى، ونأجل الباقي على المرة الجاية.
انتبهت لمقولته التي ألجمت الجميع عن مواصلة النقاش وجعلتهم يضبون أغراضهم للمغادرة، كادت ان تصرخ مهللة بالنصر فرحة بانتهاء الإجتماع على الثامنة وليس التاسعة كما توقعت ، تتمنى الهرولة بحرية أمامهم حتى تصل الى باب الشركة ومنه تطير الى جدتها وحصن الأمان منزلهم.
- إنتِ يااا
قطبت زهرة وهي تنظر الى ناحية الصوت لتجد امرأة ثلاثنية بشعر اصفر وبشرة برونزية على عينان باللون العسلي تخاطبها :
- حضرتك بتكلميني؟
اومأت لها زهرة بسبابتها نحو نفسها تسألها ، أشارت المرأة الصفراء بعنجهية :
- هاتيلي منديل من العلبة اللي قدامك دي .
- العلبة مش بعيد عنك يامرفت، طلعيلك منديل لوحدك.
تفاجأت زهرة بصوته الخشن ورده السريع من قبل حتى ان تفتح هي فاهاها، مما احرج المرأة فجعلها تفعل على الفور دون مجادلة .
- طب انا كدة بقى خلصت ، عايز مني حاجة تاني يافندم؟
سألت زهرة بلهفة، أجابها صامتًا بنظرة مسيطرة كالعادة وهو يتناول دفترها وينظر به ، زفرت داخلها وهي جالسة في انتظار قرار افراجه عنها قبل إن تتنقل بأنظارها نحو صديقتها التي كانت تخاطبها بعيناها من قريب، فانشق ثغرها لها بابتسامة كادت ان تطيح بعقله بجوارها ، وقد غفل عن المدون بالدفتر وتركزت عيناه على وجهها المضئ بإشراق، مع هذه الغمزة الموجودة أسفل ذقنها والتي زادتها روعة ، لأول مرة يراها هكذا عن قرب لفترة طويلة من الزمن، كان بامكانه مدها أكثر ولكنه أشفاقًا عليها أنهى الأجتماع قبل موعده .
من تتبعه لنظراتها انتبه على صديقه الذي أتى يقترب منه بصحبة كاميليا التي ذهبت تلاقئيًا اليها من الناحية الأخرى .
- ايه ياعم ؟ مش الإجتماع خلص برضوا ولا انا ييتهيألي .
قال طارق بمرح كعادته ، استجاب جاسر مرددًا له :
- خلص ياسيدي ، بس انا لازم كدة اديها نظرة اخيرة ولا انت مش عارفني .
- عارفك طبعًا ياكبير ياجامد انت، لكن قولي مرفت دي تبقى صاحبة مراتك صح ؟
سأل طارق الاَخيرة بصوتٍ خفيض وهو يشير بعيناه نحو المرأة وهي تخرج أمامهم مغادرة من غرفة الإجتماعات
أجابه جاسر بنظرة غير مبالية تفهمها الاَخر فتابع قائلًا :
- طب مش كفاية شغل بقى، الساعة ٨ دلوقتي ، يعني يدوب تروح وتاخدلك شاور تريح بيه جسمك شوية.
اومأ له جاسر وقبل ان يرد تفاجأ بهتافها بإسمه :
- جاسر باشا.
- نعم في ايه؟
قال بجديه عكس ما يشعر به من دغدغة جميلة بأذنه فور سماع اسمه بصوتها لأول مرة ، اردفت له بلهفة :
- انا خلاص مروحة مع كاميليا ، يعني خلاص مش عايزة السواق ولا الحارس يوصلوني .
- ليه ؟ هي كاميليا في طريقك ؟
سأل قاطبًا باستفسار ، أجابته كاميليا :
- لا طبعًا يافندم، بس انا فرحانة بعربيتي الجديدة بقى وقولت اوصل زهرة معايا، ما انا كدة كدة رايحة الحارة النهارة على فرح واحدة كانت جارتنا زمان .
اومأ لها قائلًا بصوته الأجش:
- الف مبروك ياستي عالعربية وفرح قريبتك ، بس برضوا زهرة مش هاتروح معاكي.
- ليه بقى؟
هتفت معترضة ، أجابها بتفكه غريب عنه:
- إيه نسيتي العيال اللي بتشرب في الحارة ؟ ولا انتِ عايزة خالك خالد يزعل منك؟
أخفضت زهرة عيناها عنه بخجل وقد اكتسى وجهها بالحمرة ، اما كاميليا فانفغر فاهاها بدهشة مما تراه من تغير بجاسر الريان لأول مرة، كما فعل طارق بالظبط .
............................
بعد قليل وبداخل سيارة جاسر الريان كانت جالسة في الخلف مع غادة التي كانت لا تصدق نفسها وهي تتأمل كل ركن وكل تفصيلة بالسيارة الفارهة .
- يالهوي يابت يازهرة ، دا انا حاسة قلبي هايوقف من الفرحة والنعمة.
قالت غادة هامسة بصوت خفيض لزهرة التي كانت تنظر لها بجمود مكتفة ذراعيها ، وتابعت :
- رغم اني كنت هاموت النهاردة واركب مع كاميليا في عربيتها الجديدة بس تتعوض بقى، هو كل يوم الواحد هايلاقي توصيلة بعربية جاسر الريان .
حينما ظلت زهرة على صمتها هتفت غادة :
- ماتردي يابت مبلمة ليه كدة ؟ ولا يكون مش قادرة تستوعبي انتِ كمان زيي ، لا عندك حق بصراحة .
جذبتها فجأة زهرة من ذراعها تهمس بغيظ في أذنها:
- اهدي بقى الله يخرب بيتك وبطلي فرك ، الرجالة اللي قاعدين قدام دول مراقبين وشايفين كل حاجة ، ماتخليهمش يضحكوا علينا .
شهت رافعة شفتها باستنكار :
- يضحكوا على مين ياما؟ هو احنا قرود قدامهم ، طب خلي واحد فيهم يعملها كدة عشان كنت اعرفه مقامه صح.
- منورين يااَنسات .
انتفضت الفتيات على الصيحة التي أتت من صوتٍ جهوري في الأمام .
فهتفت غادة نحو الرجل وهي واضعة يدها على قلبها :
- يخرب بيتك فزعتني ، مش تدي اشارة الأول بدل ماتوقف قلبنا بصوتك الغريب ده .
- ههههههه
ضحك الرجل بسماجة اثارت حنق غادة ودهشة زهرة ، تدخل السائق عابس الوجه دائمًا :
- بطل غلاستك دي ياإمام ، خلينا نخلص في يومنا .
اردف إمام بمشاكسة وهو يغمز لها بالمرأة :
- بلاها غلاسة عشان القمرات، انت تؤمر ياعُبد ، اه ياني ياما، ياما نفسي اتجوز
مالت زهرة بوجهها تخبئ بكفها ابتسامة متسلية وقد فهمت مقصد الرجل من وجه غادة الذي تميز غيظًا حتى اصبح شكلها كالشخصيات الكرتونية
................................

نعيمي وجحيمهاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن