الفصل السادس والخمسون

43K 1.2K 39
                                    

بإرادة فولازية كانت تجاهد لتُسيطر على التوتر الذي يكتنفها وهي ترتشف من فنجان قهوتها أمام المرأة بثباتٍ تحسد عليه، رغم خفقان قلبها المتسارع من خوف ينتابها على غير عادتها، ترسم ابتسامة على وجهها وهي تتبادل الحديث مع المرأة بمودة حقيقة لا تديعها رغم كل شئ.

- فرحتيني اوي بمجيتك دي يا كاميليا، بس ليه كارم مقاليش ولا اداني فكرة عشان كنت عملت حسابي
اهتز فنجان القهوة الذي بيدها على ذكر اسمه ولكنها تداركت سريعًا ارتباكها سريعًا لتجيبها:
- إستقبال أيه يا طنط بس؟ ما انتِ قولتِ اني مش غريبة، ثم إن هو كمان ميعرفش بزيارتي، لأني بصراحة ملحتقتش اقوله.
سألتها المرأة باستفهام:
- ملحقتيش ليه؟ هو انتوا ما بتتكلموش مع بعض في التليفون .
أجابتها على الفور بسرعة بديهه:
- لا طبعًا ازاي بس يا طنت؟ دا طول الوقت بيتصل بيا وانا بكلمه، انا قصدي اني كنت في مشوار قريب من هنا، ولقيت نفسي قدام الفيلا بتاعتكم وانا ماشية بالعربية، بصراحة مقدرتش امنع نفسي ان ادخل واطمن عليكِ، أصلك وحشتيني أوي يا طنت وقولت اطمن عليكِ
تأثرت بشدة المرأة بكلماتها المعسولة لتردف لها بسعادة:
- يا حبيبة قلبي ربنا يخليكِ ويسعدك، انا مكنتش اعرف أن كارم بعد الصبر دا كله، هيعرف يختار الجمال والكمال كله، دا طلع عفريت بجد بقى.

تكلفت بتصنع الإبتسامة مرة أخرى لتردف بحذر في محاولة للوصول الى هدفها:
- تسلمي يا طنت ع المجاملة الرقيقة دي، بس بنات الحلال كتير واكيد اللي وقعه فيا هو النصيب.
- فعلًا هو النصيب
قالتها المرأة وهي تومئ برأسها مسبلة أهدابها عنها متأثرة بالجملة وكأنها ذكرتها بشئ ما، إستغلت كاميليا سكونها لتسألها مباشرةً:
- أنا كنت بتفرج على حائط النياشين والأوسمة، بسم الله ماشاء الله، حاجة كدة تثير الفخر.
ارتفعت أبصار المرأة نحو ما تقصده كاميليا لترد بابتسامة زاهية:
- الحمد لله، تاريخ المرحوم كان مشرف ويستحق الفخر والإعتزاز بحق.
- ألف رحمة ونور عليه.
قالتها كاميليا كبداية لتستطرد بادعاء الحزن:
- يا خسارة بقى لو كان كارم كمل زيه؟
تغضن وجه المرأة على الفور بالحزن مع تذكرها لتردف بمرواغة:
- الحمد لله على كل شئ، اهو دلوقتي كمان بقى مدير لمجموعة من أكبر المجموعات الاقتصادية في البلد، ودي حاجة مش هينة.
إجابة زكية جعلت كاميليا تفور من الغيظ ورغم ذلك تابعت بمغامرة غير محسوبة وهي ترتشف بفنجانها:
- طبعًا أكيد، بس انا بقى بتكلم عن حلمه، منه لله بقى اللي كان السبب .
أسقطت المرأة على الفور فتجانها على الطاولة القريبة منها لتسألها بحدة:
- هو قالك ؟
سيطرت كاميليا على إجفالها رغم استغرابها من تغير لون وجه المرأة وانعقاد جبينها، وقالت بلهجة هادئة ترواغها هي الأخرى وهي تضع فنجانها وتفعل المثل:
- إحنا قابلنا اللي اسمه كريم فوزي ومراته دي اللي اسمها ندى في حفل عيد الميلاد بتاع رنيم بنت العقيد نجيب.
ضيقت حاجبيها أكثر المرأة لتقول بدهشة:
- دا كمان قالك على كريم فوزي وندى ! ياااه، دا الظاهر بقى إن كارم بيحبك قوي.
لم تجيبها كاميليا وانتظرت متابعة المرأة التي أكملت وهي مطرقة رأسها بتفكير:
- انا مش عارفة هو فهمك الموضوع ازاي، بس انا مقدرش ادعي على كريم زيك، دا كان من اعز صحاب كارم وياما كل عيش وملح معانا، دا غير اللي حصله كمان ورقدته في المستشفى شهور..
قطعت تخرج تنهيدة طويلة من العمق، لتستطرد:
- ولا قادرة كمان اللوم ع البنت مع إنها هي اللي عشمت ابني في حبها الأول قبل ما تشوف كريم وتتعلق بيه، بس ياللا بقى، أهم التلاتة خسروا، كارم واطرد من الكلية وكريم وطلع منها بأصابة مستديمة في رجله وندى اتجوزت كريم بعيبه وسابت معاه البلد. حكم القلوب دا مشكلة كبيرة اوي .
قالت الاَخيرة وعينيها تعلقت بكاميليا التي أومأت برأسها بتفاهم، وعقلها يخمن باقي الحقيقة وحده بعد أن علمت عن العرج الذي رأته في سير الرجل زوج ندى ؛ والتي اتضح انها هي صاحبة الموضوع الأصلي وليس العكس كما ادعى، ولكن يتبقى الجزء المهم ماذا حدث لكريم ليجعله طريح المشفى لشهور وبعدها يخرج منها ومن كلية الشرطة بإصابة قدمه؟ وما كان دور كارم إن كان تسبب في ذلك ليُطرد من الكلية بسببه؟.

نعيمي وجحيمهاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن