الفصل الاَخيرة الجزء الأول

46.7K 1.2K 42
                                    

- شايفة الحلاوة ياما، شايفة الهنا اللي بنتك هتسكن فيه يا إحسان.
هتفت بالكلمات غادة وهي تنظر من شرفة المنزل الجديد نحو المباني الرائعة والمساحات الخضراء الكثيرة بهذه المنطقة الراقية، لتجعل إحسان تجيب بامتعاض تخفي به انبهارها:
- حلوة يا ختى حلوة، مبروك.
التفت إليها غادة تردد خلفها با ستهجان:
- حلوة ومبروك كدة بس، انتي واخدة بالك ياما؟ بنتك ربنا كرمها وبقى عندها بدل الشقة اتنين، شقتنا الملك اللي كنا هنتجوز فيها، ودي بقى اللي جات لنا فجأة كدة من عند ربنا، انا فرحانة اوي ياما فرحانة قوي
هتفت إحسان تقارعها وهي تجلس على احد المقاعد الخشبية خلفها:
- احنا احنا، في إيه؟ هو انتي خلاص بقيتي متجوزاه رسمي عشان تتكلمي بصيغة الجمع .
ردت غادة على الفور متلهفة:
- خلاص هانت ياما، بعد ما جاسر باشا ادانا الشقة دي عشان إمام يبقى قريب منه، وخلى تكاليف الجواز عليه، خلاص بقى، كلها اسبوعين تلاتة ويتم المراد.
مصمصمت إحسان تصدر صوتًا مستهجن بزواية فمها ثم قالت من تحت درسها:
-الله يهني سعيد بسعيدة ياختي، انا معارفة عاجبك في إيه؟
غمغمت بالاَخيرة بصوت خفيض تجاهلته غادة، لتنهض قائلة:
-طب انا رايحة اعمل لنا كوبايتين شاي على ما يجي إمام من مشواره مع جاسر باشا.
ردت إحسان بسأم:
- وتعملي شاي ونستني ليه؟ مش خلاص وشوفنا الشقة، خلينا نمشي بقى ونشوف اللي ورانا، ابوكي زمانه راجع من الشغل.
همت لتجادلها لعدم الذهاب وترك منزلها الجميل، ولكنها تذكرت لتهتف بعجالة وهي تتناول مفتاح الشقة وحقيبتها لتعلقها على كتفها:
-عندك حق ياما دا، انا يدوبك احصل فرح كاميليا، ياللا بينا.
بوزنها الخفيف وصلت بسرعة للباب الخارجي للمنزل منتظرة والدتها التي كانت تتلكأ بخطواتها تغمغم بغيظ:
- ايوة يا ختي روحي فرح كاميليا، عشان تشوفي خيبتك بالمرة.

❈-❈-❈

ألتفت بفستانها الأبيض الطويل أمام المراَة تطالع هيئتها المختلفة بعد ان أكملت زينتها وتجهزت لليلتها، ليلة ارتباطها به
فرحة من القلب تغمرها، فهذا هو فستانها الذي تمنت إرتدائه، وهذا هو رجلها الذي لم تعشق من الرجال غيره، تحاول السيطرة على خفقان قلبها الذي يتسارع مع مرور الوقت لقرب لقاءه، كل شئ حولها يقارب الكمال ولا ينقصها سوى هي، هي من تجلس على احد المقاعد خلفها الان وانعكاس صورتها أمامها بهذه الطلة الساحرة، وقد تخلت عن طفوليتها ونضجت في اختيار الالوان وقصة الشعر الحديثة وهذا الفستان القصير بزوق اختلف كليًا عن نظامها في الملبس سابقًا، والتزين المحترف، تنهدت بشعور لا تدري كيف لها ان تصفه، وهي تراها كثمرة طازجة في بدء موسمها، لقد كبرت شقيقتها واصبحت انثى تملأ العين وتسر القلب، ولكن تبدوا وكانها واحدة أخرى لا تعرفها وليست من تربت على يديها، وتعلمت تناظرها بفخر وكانت لا ترى في العالم قدوة غيرها.

- حلوة يا رباب؟
هتفت بالسؤال نحو شقيقتها التي كانت مندمجة في الإطلاع على هاتفها، والسماعات في أذنها تستمع لأحدى الأغاني الأجنبية، فرفعت رأسها تطالعها بتساؤل، لتلتف إليها الأخرى تخاطبها بغبطة، تقصد من خلفها فك الجمود الذي تستشعره منها:
-بسألك يعني عشان اخد رأيك، هو الفستان حلو عليا كدة؟ ولا في حاجة ناقصة؟
قيمتها بنظرة سريعة لتردف بلهجة تبدوا عادية:
- حلو الفستان، هو مش انتي اللي نقتيه واخترتيه عشان عاجبك، يبقى بتسالي ليه بقى؟
لا تدري لما شعرت بأن ردها له مغزى ما، ولكنها تبسمت
تجاريها بالقول:
- طبعًا انا اللي منقياه بعد عذاب كمان في الإختيار.
توقفت تتابع في المحاولات معها:
-طب إيه رأيك في تسريحة الشعر ولا المكياج، لايق كدة؟ ولا البنت الميكب أرتست زودت في حاجة؟
قلبت رباب عينيها بسأم لتقف فجأة عن طرف الكرسي الذي كانت جالسة عليه لتقول وهي تلتف عنها:
- ودي محتاجة سؤال يا كاميليا، ما انتي زي القمر اهو، انا هسيبك بقى عشان داخلة الحمام .
- رباب.
هتفت توقفها فور ان خطت قليلًا، لتلتف إليها الأخرى سائلة باستفسار:
- عايزة حاجة؟
نفت برأسها كاميليا لتقول بابتسامة متسعة:
- لا ولا حاجة يا ستي، بس كنت عايز اقولك ان الفستان اللي انتي لابساه يجنن، دي اول مرة تختاري حاجة من غير ما تاخدي رأيي، بس بصراحة مكنتش اعرف ان زوقك حلو في اللبس كدة؟
تبسمت لها الأخرى تقول بثقة وعينيها دنت على ما ترتديه بزهو:
- ما انا كبرت بقى يا قلبي وبقيت اختار لوحدي، بس اديكي شوفتي اهو، بعرف اختار وبختار كويس أوي كمان.
أومات لها كاميليا برأسها تقول بتردد:
- بس انتي مش شايفة انه جرئ شوية؟
أجابتها بهزة خفيفة بكتفها قبل ان تستدير وتتركها
-ومالوا يا ستي، الجرأة مطلوبة برضوا.
راقبتها حتى اغلقت باب الحمام بالغرفة، تتنهد بقلق مازال يقبض على قلبها، فهذا البرود والهدوء الشديد لا يجعلها تشعر بالراحة، لقد قضت الفترة الماضية ملتصقة بها معظم الوقت، تحاول التقرب لفكرها وشرح متواصل عن طبيعة الكائن المؤذي الذي كان سيصبح زوجها في يوم من الأيام، حتى تتعظ هي ولا تكرر خطأها، ثم عقدث مبادرات الصلح معها ومع والدها الذي لم يوافق على إعادة الهاتف سوى اليوم بعد إلحاح كاميليا، مؤجلًا ذهابها إلى جامعتها إلى وقت غير معلوم، علٌها تنسى وتريح قلبها بالإطمئنان عليها، لكن ودت لو توافق بهذا المدعو امين، رغم استنكارها في البداية، لعودة الارتباط لأي فرد من هذه العائلة، ولكن وبعد ما حدث وعلمته عما فعله كارم بعقل شقيقتها، فقد فكرت بالرجل بشكل جدي وسألت جيدًا فعلمت بحسن سلوكه، وهو شديد الإعجاب بها، كما انه عرض بشكل مباشر استعداده للتقدم لخطبتها، ولكن رباب فاجئتها بالرفض القاطع له، حتى انها اخذتها في زيارة لوالدتها التي كانت دائمًا ترفض الذهاب إليها، ولكن كاميليا ألحت بشدة عليها هذه المرة فربما التقرب منها في المرض، يجعل قلبها يرق ويضعف لما حدث معها،
خرجت من شرودها على جلبة صاخبة مع طرق على الباب الذي اندفع فجأة لتلج منه زهرة بطفلها مهللة:
-عروستنا عاملة ايه النهاردة؟
تبعتها غادة التي دلفت خلفها ونوال معها، لتصدح بصوت زغروطة قوية جلجلت في قلب الغرفة لتثير الضحك لكاميليا وهي تقول بحرج:
-الله يخرب عقلك يا مجنونة، دا فندق سياحي يا بت، هتلمي علينا السياح .
ردت غير مبالية بتفكه:
- يا ختي احنا عايزينهم يتلموا عشان نعملها هيصة ونسمع بقى في البلاد الأوربية والفضائيات، وسمعني بقى احلا اغنية شعبية، والنهاردة فرحي يا جدعان، هههه.
ختمت ضاحكة، لتتلقفهن كاميليا بالعناق القوي رغم ثقل فستانها، فما قيمة الفرحة إن لم تشاركها مع صديق أو الحبيب.

نعيمي وجحيمهاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن