الفصل التاسع والستون

40.3K 1.2K 72
                                    

خرجت من سكنها الجديد بهذا المنزل الذي قصدت ان يكون بعيدًا عن المدن المعروفة، ليُصبح في منطقة هادئة وتقريبًا خالية من السكان نظرًا لعدم اكتمال البناء بمعظم مبانيها، بحثت بعينيها عنه في الحديقة، لتجده كالعادة يتضاحك بسماجة مع حراسها الشخصين، وقد استرخي وكأن المكان أصبح مكانه.
-أكل ومرعى وقلة صنعة.
غمغمت بها حانقة قبل أن تهتف وتناديه:
-إنت يااا..... إنت يا زفت..
انتبه ع الأخيرة ف ترك الرجال وتقدم حتى اصبح أمامها، ليجيب بابتسامة قميئة متلهفة وعيناه تمشط ما ترتديه من ملابس قصيرة كعادتها:
-عيوني يا ست الكل.... أؤمري...
نهرته مشمئزة:
-بتبص على إيه يا حيوان؟ إنت نسيت نفسك ولا إيه؟
ولا قعدتك في البيت هنا أكل وشرب ونوم ببلاش، خليتك تفتكر انك صاحب بيت أو متميز عن أي خدام هنا.
كلماتها الحادة اذهبت عن مزاج رأسه المرح الذي كان يشعر به منذ دقائق، مع استمتاعه بهذه الرفاهية منذ خروجه من محبسه، ليعود إلى أرض الواقع، فخرج صوته بلهجة غاضبة:
-جرا يا ست هانم؟ ولزومو إيه التقطيم بس؟ هو انا هنا بخطري يعني؟ اديني أكتر من شهر قاعد مستني تقوليلي ياللا ع التنفيد للي اتفقنا عليه، وانتي اللي ركناني.
ردت بجدية:
-لا يا حبيبي اطمن مفيش ركنة تاني، عامر الريان سافر مع مراته عشان يستكمل رحلة علاجه من تاني، يعني خليك على استعداد على أي دقيقة هتلاقيني بقولك يالا.
تمتم فهمي بحماس أطل على ملامح وجهه الإجرامية بقوة
-بجد يا هانم؟ يعني خلاص ساعة الصفر قربت؟
بشبه ابتسامة ساخرة أجابته قبل ان تستدير عنه:
-بجد يا خويا، جهز نفسك بقى.
نظر في اثرها وهي تغادر، فرفع صوته بسؤال أثار فضوله:
-ألا هو حضرتك بتعرفي الحاجات دي منين بالظبط؟ مين يعني اللي ببلغك؟
التفت برأسها تجيبه وهي مستمرة في سيرها:
-اللي بيبلغني، هو نفسه اللي هيساعدك هناك، متستعجلش على رزقك.

❈-❈-❈

ما أصعبه من إحساس.
ذلك الذي يمتلك قلبك فيجعلك تستسلم صاغرًا لفعل المراهقين في مراقبة محبيهم، برغم المعرفة القليلة بهم حتى لو كان هذا ضد طبيعتك المتحفظة، والتي تلجمك عن الحركة أو التقرب، مستشعرًا الحرج مع ضعف موقفك، في شئ ليس لديك به حيلة أو ذنب، ليستمر هذا التردد لفترة ليست قليلة من الزمن، منتظرًا فرصة تأتيك او صدفة تتلقفها لفتح حديث يمهد الطريق
أمامك ليُعطيك ولو قليلًا من الأمل، هذا الأمل الذي ظللت تحلم به حتى تفاجأت بالصدمة التي غيرت معها خططك، بل ومنظور حياتك.

هذا ما كان يشعر به وهو يقترب بخطواته نحو المكتب المقصود بعد أن طلب لقاءها مخصوص.
-صباح الخير.
تفوه بالتحية فور أن ولج إليها بداخل غرفة مكتبها، ليجدها انتفضت فجأة تقف أمامه تجيب التحية وفي لهجتها وضح التحفز:
-صباح النور يا فندم، اتفضل حضرتك المكتب نور.
تجاهل هيئتها وهذه النظرة العدائية التي ترمقه بها، وتقدم يصافحها بمودة قابلتها هي بتردد:
-عاملة إيه يا كاميليا؟
بادلته المصافحة بتماسك، لتجيبه برسمية:
-كويسة والحمد لله، اتفضل حضرتك .
قالتها مشيرة على الكرسي المقابل، سمع منها وجلس ليناظرها ببعض الحرج الذي جعلها تبادر للسؤال على الفور:
-أفندم يا حضرة الظابط، كنت عايزني في إيه؟
-كدة على طول؟
قالها بصوت خفيض ثم أستطرد:
-انا عارف انك مستغربة مجيتي هنا عندك المكتب، بس انا اتصلت بيكي عشان اديكي فكرة قبل ما اَجي، وقولتلك إن الموضوع ميخصش مشاكلك بكارم.
ردت بحدة:
-أمال يخص إيه؟ انا مفيش ما بيني وما بينك أي صفة يجعل المقابلة شخصية، إلا إذا كانت المقابلة لحاجة رسمية لقدر الله، ودي مستبعدتش عنها كارم برضوا.
-قصدك إنه يكون لفقلك جريمة يعني؟
سألها ليرى اشتعال عينيها وانفاسها التي بدأت تتلاحق لترد بانفعال:
-وهو عملها صح؟ والله ما استبعد؟
تنهد بثقل يجيبها:
-لا يا كاميليا معملهاش، كارم مش غبي عشان يورط نفسه معاكي بعد القضايا والتعهدات اللي انتي اخدتيها عليه... وانا عاذر عصبيتك ناحيتي عشان قريب جوزك وبنفس المجال اللي شكله بقى يمثلك هاجس.
عقدت حاجبيها تطالعه باستفهام، قابله بالإجابة على الفور:
-انا جاي بخصوص رباب.
-إيه؟
هتف بها منتفضة من محلها، ورد هو يخاطبها بحزم:
-ارجوكي اقعدي بقى واديني فرصة اكلمك ع اللي جاي عشانه، انا مش قاصد حاجة وحشة عليها.
سألته بعنف غير اَبهة بصيحته:
-أمال يعني قاصد إيه؟ وانت تجيب سيرة اختي اساسًا ليه بقى؟
رد بجملة مبهمة:
-يمكن كان غرضي شريف!
ضاقت عينيها وازداد إندهاشها لتسأله بعدم إستيعاب وهي تسقط بجســ دها على الكرسي:
-إنت بتقول إيه؟ ومين قالك أن احنا ممكن نوافق بأي فرد من عيلتكم؟ بعد اللي شوفته انا من قريبك.
طالعها بحدة صامتًا للحظات قبل ان يقول:
- هتصدقيني لو قولتلك أن الفكرة دي هي اللي خلتني اصبر ومتقدمش من يوم ما شوفتها في الفرح اللي مكملش رغم إعجابي بيها من أول لحظة، بس للأسف اكتشفت اني غبي...
توقف برهة ليكمل بحدة:
-كاميليا هانم انا بقالي شهور وانا بقف بعربيتي قريب من بيتكم عشان اشوف اختك وهي رايحة الجامعة او راجعة منها، في انتظار الدنيا تهدى والمشاكل اللي بينك وبين كارم تخف قبل ما اخد خطوة رسمية، بس اللي حصل حضرتك. هو اني غيرت من مدة ورحت لها الجامعة على اساس اني امهد لنفسي معاها، بس للأسف اكتشفت أن اخت حضرتك في علاقة مع واحد تاني بيستناها قصاد الجامعة ويفسحها...
-أنا مسمحلكش تغلط في اختي...
قالتها بمقاطعة حادة، ليصعقها برده السريع:
-والواحد ده يبقى كارم طليقك.
بصدمة وانكار، تمتمت رغم هذا الدوار الذي اكتنفها على الفور:
-أنت كداب، مش منطقي ابدًا اللي انت بتقوله ده.
قالتها لتجده يخرج هاتفه ليضعه أمامه على سطح المكتب بعد ان ثبته على شئ ما، وهو يقول:
-إتفضلي حضرتك وشوفي بنفسك لو مش مصدقاني.
نظرت إلى ما يشير نحوه، لتجد شقيقتها بصحبة كارم في نفس المطعم الإيطالي والذي دخلته هي قبل ذلك معه، وعلى نفس الطاولة، تبتسم له بسعادة ونظرة عشق لا تخيبها عين الرائي.
لترتفع رأس كاميليا نحو المدعو أمين بإنكار ترفض التنازل عنه، رغم خروج صوتها بنبرة منهارة:
-برضو كداب، اكيد الصورة فيها حاجة غلط.

نعيمي وجحيمهاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن