الفصل الرابع والخمسون

44.8K 1.3K 55
                                    

وصلت إلى مقر عملها تجر أقدامها جرًا، ليس تعب؛ ولكنها حالة من الفتور جديدة عليها، وقد تلبستها منذ عدة أيام بعد أن كان الحماس رفيقها دائمًا، في رحلة البحث لإثبات نفسها في المجال الذي تعشقه دون مساعدة من أحد، رجل كان أو امرأة، قبل أن تسقط جبرًا في فخ هذه الدائرة الطاحنة في الصراع مع قلبها الذي خانها لأول مرة، بعد مقاومة استمرت لسنوات، حتى ومع لجوئها لاتخاذ طريقًا مغاير، لتجد نفسها سقطت في بئر اَخر مزدحم بالغموض والمستقبل المبهم مع شخص تكتشف فيه يومًا بعد يوم خيبتها في اتخاذ قرارًا مصيري كهذا، حينما لجأت إليه بالهرب من الاَخر وقد توسمت به الخير مع الفكرة التي ترسخت بعقلها من البداية، وهي عدم تكرار الخطأ بالموت عشقًا إن تركها!
أما الاَخر وقد ظنت أنها نجت من فخه، لم تكن تعلم أن جحيمه في البعد أقوى.
مازال قلبها يأن من الوجع بل وزاده شيئًا اَخر ، وهي الغيرة التي في غير محلها!

تنهدت بثقل وهي تخطو لداخل المصعد لكي تصل إلى وجهتها في الطابق المقصود، والذي يحمل غرفة مكتبها، مقابل غرفته.
ولكن وقبل أن يتحرك بها للأعلى، فوجئت بها تقتحم المساحة الضيقة لتنضم معها، بهيئتها التي تخطف الأنفاس وهذا الجمال المبهر، ورائحة العطر القوي التي هبت معها لتزكم انفها، تتحدث لاهثة:
- الحمد لله اَخيرًا وصلت.
قالتها ثم التفت لكاميليا تخاطبها:
- صباح الخير يا فندم. عاملة إيه النهاردة؟
حتى صوتها الناعم يصل إلى المستمع كأنه اَلة موسيقة تغرد وحدها في الفضاء لتطرب الأسماع:
- حضرتك هو في حاجة يا فندم؟ اصل بكلمك وانتِ ما بتروديش عليا:
قالتها لينا في محاولة أخرى للفت انتباهاها وقد أسهبت في الشرود وتجاهلها ، نفضت رأسها كاميليا لتجيبها بلهجة عادية:
- لا اطمني يا لينا مافيش حاجة، أنا بس سرحت في حاجة كدة تخصني.... لكن انتِ إيه أخبارك بقى؟ مستريحة في الشغل هنا معانا؟
سألتها بمغزى تقصده، وكانت إجابة الأخرى بتطويل كعادتها:
- الحمد لله يا فندم، الشغل هنا على قد ما هو كتير، بس برضوا الواحد مبسوط عشان لما بأدي فيه بإخلاص بلاقي نتيجة لجهدي، ميزة الشغل هنا،  إن فيه تقدير للموظف من رئيسه.
طحنت بداخلها وقد علمت بمقصدها جيدًا فقالت متابعة بفضول وابتسامة صفراء ارتسمت على وجهها:
- يعني انتِ قصدك إن مستر طارق كويس معاكِ  ومبسوطة معاه؟
رفعت رأسها لينا عن بعض الملفات التي كانت تراجعها سريعًا، لتجيب بابتسامة حالمة:
- جدًا يا فندم جدًا.
قالتها وتوقف المصعد فجأة لتسأذن للخروج ، متغافلة النظر عن كاميليا التي نست نفسها وضغطت على شفتيها بأسنانها حتى كادت أن تدميها من الغيظ، لتخرج بعدها زافرة بحريق قبل أن تنتبه على الورقة التي سقطت منها في أثناء سيرها السريع فخطت حتى اقتربت تتناولها بظنٍ انها تخص العمل ، ورغبة شريرة تدفعها لفش غيظها بها كموظفة مهملة في عملها،  هذا إن صدق تخمينها، لتُفاجأ بمحتوى المكتوب في الورقة  بعد أن ألقت نظرة سريعة وشاملة في القراءة، لترفع رأسها بعد ذلك مغمغمة بقهر:
- وكمان بتجيبلوا اشعار يقراها، ودا انت اللي كتباها ولا هو اللي كاتبهولك؟ ماشي يا طارق!

نعيمي وجحيمهاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن