الخاتمة

56.7K 1.3K 202
                                    

بحث عنها في أرجاء المنزل بعد استيقاظه باكرًا على ميعاد عمله اليومي، فتفاجأ بعدم وجودها على التخت بجواره رغم أن اليوم هو إجازة عن العمل في كل الجمهورية وليس المجموعة فقط، وكمان تنبأ بالفعل وجدها بالغرفة المتطرفة من المنزل، والتي خصصتها كمكتبة امتلأت بكتب والدها ومعها الذكريات التي تبقت من والديها الاثنان، بعد زواج شقيقها الكبار، ولم يتبقى سوى ميدو الذي يدرس الاَن ويشاركهم العيش بالمنزل .
توقف قليلًا على مدخل الغرفة بعد أن ولج بهدوء وهي لم تشعر به، فقد كانت منشغلة بمشاهدة شيئًا ما على الحاسوب خاصتها، اقترب يخطو بخفة حتى أصبح خلفها يريد مفاجأتها، ولكن هبطت عزيمته فور أن تبين المحتوى الذي تشاهده بالحاسوب وهذا الحزن الذي ارتسم على محياها، فخرج صوته دون أن يدري باستنكار :
- تاني برضو يا كاميليا؟
اجفلت تنتفض شاهقة لتقول وهي تضع كفها يدها على صــ درها بلهاث:
- حرام عليك يا طارق خضتني.
تنهد يهز رأسهِ بعدم رضا، ثم تمالك ليجلس بجوارها على الإريكة التي كانت جالسة عليها بثني أقدامها أسفلها ليضمها مقبلًا أعلى رأسها بحنان متمتمًا:
- معلش يا قلبي سامحيني لو كنت خضيتك من غير ما اقصد.
تقبلت أعتذاره لتريح رأسها على صدره العريض، وكأنها تستمد منه الدعم، فتابع يشير على الحاسوب الذي وضعته على الطاولة أمامها بعد أن اغلقته سريعًا بعد صيحته:
- انا مش عايز ابقى زو ج سيء واقلبك على أختك يا كاميليا، بس بصراحة بقى بضايق لما الاَقيكي زعلانة على واحدة عايشة حياتها بالطول والعرض ومش سائلة ولا بتعبرك، وانا أسف برضو على كلامي ده معاكي .
ظلت صامتة لبعض اللحظات حتى ظنها غفت، ثم ما لبثت أن تقول بشرود:
- وحشتني يا طارق، قولت ادخل على حسابها واشوف صورها، ما انت عارف هي بقت بلوجر كبيرة وليها الاف المعجبين، بترد ع الناس وكأنها نجمة، بتجيب تفاصيل حياتها وتصور فيدوهات للعيشة المرفهة اللي هي عايشها بعد ما اتجوزت كارم واتحدتنا أنا وبابا وماما كمان الله يرحمهم بقى.
تمتم طارق خلفها بالترحم عليهما ثم قال يخاطبها:
- يعني عايشة حياتها يا كاميليا، يبقى انتي تشيلي همها ليه بقى؟
قالت بأسى :
- لازم اشيل همها يا طارق، دا انا اللي مربياها على إيدي، ودي متجوزتش واحد والسلام، دي اتجوزت كارم ، وانا وانت عارفين كويس اوي مين هو كارم، مش قادرة اصدق إنه زو ج طبيعي معاها.
- وانتي مش قادرة تصدقي ليه بس يا كاميليا؟
هتف بها طارق بانفعال جعلها ترفع رأسها عنه لتواجه، واستطرد هو :
-أختك محدش ضربها على إيدها عشان تتجوزه، دا غير انك بتشوفي فيدوهاتها بنفسك وهي بتستعرض المستوى اللي عايشة فيه قدام الناس، بكل استفزاز لطبقات الشعب المتوسط والفقير... ثم تعالي هنا، هي اختك دي لو مش مبسوطة ايه اللي يخليها تستمر؟ ثم متنسيش كمان ان اخوكي معاها في جناح كارم وبقى ليه وضعه في الشركات.
توقف ليقول بنبرة مترجية:
- انا مش عايزك تقطعي صلة الرحم، لكن عايزك تعيشي حياتك وتنسي، مش عايز اشوف الحزن دا في عيونك، اختك لو محتاجة مساعدة هي عارفة طريقنا كويس ولو سعيدة، تبقي اتمنيلها الخير، وعيشي انتي حياتك زيهم .
اشرق وجهها بابتسامة استجابة لكلماته، ليبادلها هو أيضًا بابتسامة مبتهجة وهو يداعب وجنتها الناعمة بإبهامه مردفًا بغزل:
- بذمتك مش حرام الوش القمر ده يبقى مكشر كدة ع الصبح واتحرم انا من ابتسامتك إللي تسحر دي؟
ازداد اتساع ابتسامتها حتى ظهرت أسنانها البيضاء فهلل مرحبًا:
- يا أهلًا بالشمس اللي نورت الكون، كنت فين من شوية يا شيخة؟ دي الدنيا كانت مضلمة؟
ختم يطبع عدة قبل على وجنتها وشفتيها ليتحضنها بعد ذلك بقوة متابعًا:
- اه لو تعرفي باللي بيحصل جوايا في كل مرة اشوف حزنك ده، بيبقى نفسي اروح لاختك دي واجيبها من شعرها تتأسفلك.
رددت تتنهد بعمق:
- ياريت كان ينفع، كنت عملتها انا من زمان، كنت جيبتها وجوز تها احسن راجل في الدنيا.
- دي سنة الحياة يا كاميليا، كل واحد بيكبر ويختار بنفسه، يبقى يتحمل بقى نتيجة اختياره .
استجابت لغمرته تتنعم بالدفء والحنان الذي يبثه إليها، فقد تأكد لها بالفعل أن طارق هو أعظم اختيارتها، وقد اصبح السند لها بعد رحيل والدها الذي توفي حزنًا على نبيلة بعد ان عرف بمرضها وما عانته في البعد عنه، لتفقد هي الإثنان في عام واحد، ثم تفاجأها شقيقتها بالزواج من كارم بمباركة شقيقها، غير أبهين بغضبها او اعتراضها، أو حتى توسلاتها وكأنها لم تكن يومًا جزءًا أصيلًا في تربيتهم مع الوالد بعد ترك الوالدة.
طرق خفيف على باب الغرفة اخرجها من شرودها لتنزع نفسها عنه مع هتافه على الخادمة بالدخول والتي قالت :
- الست لينا حضرتك مستنية تحت .
أومأ لها لتنصرف قبل ان تسأله كاميليا باستفسار:
- وهي لينا جاية ليه البيت النهاردة؟ واحنا اساسًا خارجين بعد شوية لمشوارنا عند جاسر وزهرة؟
هز رأسهِ بضيق يجيبها وهو ينهض من جوارها:
- ما انتي عارفاها شملولة اوي، اتصلت بيا من شوية تنبهني عن مناقصة الحديد، وانا قولتلها تجيب الأوراق عشان اراجع عليها واقدمها بكرة على طول الصبح.
نهضت خلفه تقول بغيظ هي الأخرى :
- ما هي لو شاطرة كدة في الحياة زي ما هي شاطرة في الشغل كان زمانها في حتة تانية، حد يصدق ان واحدة زي دي تقعد لحد دلوقتي كدة من غير جواز؟
تأوه طارق يمسك بمقبض الباب يقول لها:
- اه يا كاميليا،  دا انا لو اقولك على الشباب اللي زي الورد اللي بيتقدمولها ولا المراكز اللي هما فيها، هتستغربي ان الحمارة دي بترفضهم بكل قلب ميت .
ضحكت كاميليا تربت على كتفه قائلة:
- معلش يا طارق، نصيبها موجود اكيد.
توقف يقول بانفعال:
- انا عارف ان نصيبها موجود واكيد كمان ان شاء الله، بس انا عايز اطمن عليها، وامها كمان

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Aug 09, 2023 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

نعيمي وجحيمهاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن