الفصل السابع والخمسون

44.3K 1.2K 50
                                    

عاد بخطواته المسرعة صباحًا ليلج إلى منزله اَخيرَا بعد قضائه عدة ساعات في البرد وتحت رحمة هذا المجنون، ليُفرج عنه اَخيرًا بعد أن استكفى منه، وقد نال من الإهانة ما يجعله يود القضاء على كل من يراه أمام، فما بالك بما كانت السبب الأساسي لما حدث له!
وصل إليها ليجدها جالسة على مائدتها تتناول وجبة إفطارها، بيدها شطيرة صغيرة من الخبز المحمص، مغمسة بالمربى تقضم منها بتمهل ويدها الإخري تقلب في الهاتف وتتصفح به، رفعت رأسها فجأة على قدومه من الخارج في هذا الوقت من الصباح بوجه متجهم، وهيئة مبعثرة لا تدل على هيئته المعتادة على الإطلاق، حتى أنه لم يكلف نفسه عناء القاء التحية عليها، لتسأله باستغراب:
- هو انت خرجت امتى عشان ترجع كدة؟ في حاجة يا ماهر؟
ألقى مفاتيحه بإهمال قبل أن يجلس على إحدى الكراسي أمامها، يفرك بكفيه على وجهه بعنف متجاهلًا الرد عليها، لتعيد السؤال مرة أخرى بقلق:
- انا بسألك يا بني، رد عليا على الأقل بكلمة طمني بيها.
التف أليها يحدق بوجه مظلم ونظرات نارية ليصرخ بها هادرًا:
- كنت متثبت أنا والسواق بتاعي والحارس يا ميرفت، متثبت في عز البرد وانا عريان بالأندر وير، وعارفة مين بقى اللي كان مثبتني يا أختي العزيزة؟
طالعته باستفهام مع ارتياع قلبها مما ذكره لها لتجده متابعًا بصراخ،
- اللي كان مثبتني هو نفس الحيوان الضخم اللي خطف غادة من داخل البيت هنا وبعد ما ضربني.
صاحت به مستنكرة وهي تنهض عن مقعدها:
- يعني أيه الكلام ده؟ هو ازاي الحيوان دا أساسًا يتجرأ ويعمل حركة زي دي مع أسياده، هو فاكرنا قليلين في البلد دي ولا ايه؟ دا أنا....
قاطعها بصرخته ضاربًا بكفيه على سطح المائدة حتى اهتزت بعنف:
- إنت السبب يا ميرفت، عشان نزلتِ بمستواكِ ومستوى العيلة، وجرأتي الناس دي علينا، لولا عملتك الزفت لما خدت الصور ع البت دي وهددتيها بيها، مكانش الحيوان دا ذنبني أنااا واخدلي صور وفيديوهات وانا بالطقم الداخلي بتاعي ويقولي احمد ربنا اني برضوا مراعي الستر معاك ومش عايزلك الفضيحة، أنا يتقالي كدة من ناس زي دي؟ تتهان كرامتي وابقى مهدد في أي وقت بنشر الصور اللي خدهالي لو بس فكرت وأذيت السنيورة بتاعته.
- دي بني أدم غبي وانا هعرف أربيه كويس هو والجربوعة اللي بيدافع عنها .
صاحت بها تعقيبا على كلماته وكانت النتيجة أنه ثار أكثر بها:
-دا انتِ اللي غبية عشان مستهونة بالناس دي وفاكراهم مش قد مستوى ذكائك، دا قالهالي بنفسه يا ميرفت وهو بيستهزأ بيا، قالي انت باشا كبير وصورة زي دي لو عملنالها فيديو حلو هتجيب ألاف المتابعات وتبقى نجم، انتِ فاهمة دا معناه إيه؟ معناه دمار لسمعتي، ومهما كانت الصور اللي انتِ خدتيها للبت دي مش هيبقالها نص التأثير اللي هيحصل معايا لو نفذ تهديده ، انا صباعي بقى تحت درس الولد ده وانتِ السبب يا ميرفت بحوارتك الهبلة.
برقت عينيها وهي تطالعه بعدم استيعاب، جسدها يهتز من فرط أنفعابها وعقلها يرفض التصديق، حتى صرخت بدورها عليه:
- ولما زفت زي دا يثبتك، حراسك كانوا فين؟ اللي اسمه رعد دا اللي مرافقك زي ضلك فايدته إيه لما يحصلك انت حاجة زي دي؟
-رعد ما كنش معايا يا ميرفت .
هتف بها ردًا على سؤالها وأستطرد:
- رعد استأذن مني فجأة عشان يلحق والده اللي رجليه اتكسرت بالصدفة امبارح، والحارس التاني ولا السواق محدش فيهم قدر يصُد ولا يرد بعد ما تحاصرنا في الشارع الضيق وحاوطونا رجالة الباشا ده، شوفتي بقى اللي كنتِ فاكرها هتبقى خاتم في صباعك، طلعت مرافقة ناس بلطجية وبيعرفوا يوقعوا اللي زينا بالمظبوط .
صمت يحدق بها بغيظ يدفعه للفتك بها انتقامًا لما حدث له، وكاد ان يتسبب بمقتله لو تهور هذا الضخم وقتله في لحظتها، ليختم بقوله في الاَخير وهو يتناول سلسلة مفاتيحه على سطح المائدة:
- انا البلد دي مابقاليش سكن فيها تاني .
أوقفته بأعين راجية قبل يغادر:
- تقصد إيه بكلامك ده يا ماهر؟.
- قصدي اني هسوي كل أموري هنا وهسافر يا ميرفت.
قالها واستدار عنها متجهًا نحو الدرج ليصعد إلى غرفته، وتسقط هي بحملها على الكرسي بأقدام مرتخية لم تعد تحملها تردف بقنوط:
- برضوا حتى دي كمان فشلت، نار قلبي دي هتفضل كدة دايمًا ما فيش حاجة تهديها؟ لكن لأ.
توقفت لتغمغم بتصميم:
- مهمها حصل انا مش هسكت غير لما اَخد حقي بحرق قلوبهم زي ما حرقوا قلبي، ساعتها بس اقدر اسافر واسيب البلد كلها كمان .

نعيمي وجحيمهاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن