الفصل العشرون

61.9K 1.6K 84
                                    


مستلقية بجمبها على فراش تختها ، كفها تحت رأسها على الوسادة ، تتابع بأعين يقظة خيوط الضوء المتسللة عبر النافذة المغلقة، والمنذرة ببداية الصباح ،
لا تصدق أن هذا هو يومها كما يقال، لا تصدق أن أمرًا كهذا يتم بهذه السرعة ودون إرادتها ورغبتها، لا تصدق انها ستغادر غرفتها ومنزلها وجدتها وتسكن وحدها مع رجل غريب عنها بمنزله ، رجل أذاقها من الدلال وكلمات الغزل يومين قبل أن ينقلب لصورته الأول ويعود لتجبره وتسلطه معها ، كيف لها أن تعترض الاَن بالوقوف أمامه ومجابهته وقد غاب عنها سندها ومصدر أمانها دائمًا بسببه ؟!
مسحت بكفها الدمعة التي سقطت على وجنتها سريعًا قبل أن تنهض بجزعها تلملم شعرها الذي تنحل عقدته دائمًا مع نومها ، ثم نهضت بعدها عن التخت وقد أجمعت أمرها بالمضي قدمًا فيما قُدر إليها ، تاركة أمرها على المدبر الذي لا يغفل عنه شئ
ذهبت للمطبخ لتحضر وجبة الفطور قبل أن تذهب لغرفة جدتها التي وجدتها هي الأخرى مستيقظة، جالسة بجذعها تنظر في الفراغ بشرود ، ويبدوا على وجهها علامات الهم ، وهي تعلم بداخلها جيدًا السبب وراء ذلك.
اقتربت تتصنع الأبتسام وهي تهتف باسمها:
- إيه يارقية ؟ دا انتِ صاحية اهو، قال وانا اللي كنت شاغلة بالي بصحيانك .
ختمت جملتها بقبلة على رأسها ، قابلتها رقية بنظرة غامضة قبل تلوي فمها المطبق وتشيح بوجهها عنها.
- انتِ لسة برضوا لاوية بوزك مني ياستي ؟
سألتها زهرة بعتب وهي تجلس بجوارها ، تنهدت رقية قبل أن ترد عليها :
- أمال عايزاني يعني اعملك إيه؟ اقوم اترقصلك مثلًا ، حمد لله مشلولة .
كلماتها البسيطة كانت تلسعها كالسياط ، وهي المجبرة قليلة الحليلة ، لا تجرؤ على التفوه بالحقيقة حتى لاتزيد على أحزان جدتها ، فيكفي عجزها ومرضها أيضًا ، ضغطت على شفتها وهي تدعي عدم الفهم قائلة:
- يعني هو انتِ لازم ترقصي ؟ ياستي كفاية تفرحيلي ، ماينفعش بقى تفرحيلي .
ردت رقية وقد احتدت عيناها في النظر اليها:
- بت انتِ، ما تعملهومش عليا ، انتِ عارفة كويس قوي انا قصدي إيه ؟
اومأت برأسها تقول لها:
- عارفة ياستي ومقدرة كمان ، بس هاعمل ايه انا بقى؟ جاسر مضطر يتم الجواز بسرعة عشان عنده ظروف قوية لكدة .
ردت رقية باستنكار رافعة شفتها العليا :
- ظروف إيه دي يااختي اللي تخليه يلم جوازتك منه في ظرف ايام قليلة من غير حتى ما ربنا يقدره يستنى خالك ، خالك يازهرة اللي رباكي وكأنك حتة منه ولا انتِ نستيه يابت؟.....
هنا لم تقوى زهرة على الإنكار أكثر من ذلك ، فخرجت شهقتها المكتومة بعنف ، جعلت رقية تلتف برأسها إليها مجفلة ، فوجدتها تبكي بصوتٍ مكتوم ووجها مغرق بالدموع ، انفطر قلبها لرؤيتها فجذبتها سريعًا لداخل أحضانها ، تشدد عليها بذراعيها وهي تردف :
- بس لو تفهميني ايه اللي صايبك، بدال ما انا حاسة نفسي كدة زي الأطرش في الزفة.
كانت تبكي وفقط ، تفرغ مع دماعاتها الحزن والقهر من داخلها ، ورقية تربت على ظهرها بحيرة ، حتى سألتها اَخيرًا :
- هو بيهددك بحاجة يابت ولا ماسك عليكِ ذلة؟
انتفضت زهرة تخرج من أحضانها تنفي وهي تمسح بكفيها لتزيح اثر الدمعات :
- لأ طبعًا انتِ ليه بتقولي كدة ياستي؟
تنهدت رقية قانطة وهي تضرب بكفيها ترد عليها :
- طب عايزاني اقول ايه بس ؟ وانا شايفة الوضع كدة مش مريحني، دا غير كمان خلقتك انتِ اللي متغيرة ، حتى لو كنتِ بتمثلي الضحك والفرحة قدامي انا كشفاكي يابت .
ابتسمت زهرة رغم ماتشعر به على فراسة جدتها قبل أن ترد :
- طب لما انتِ كشفاني كدة وحاسة بيا، ليه بقى زعلانة مني؟ مش تقدري كدة خوفي ممن دنيا جديدة داخلة عليها .
ردت رقية وهي رافعة حاجبها بتشكك :
- يعني انتِ كل المشكلة عندك ، هو خوفك من الدنيا الجديدة اللي داخلة عليها ؟ وخالك بقى نستيه؟
- انسى مين بس ياستي ؟
هتفت بها تبتلع الغصة المؤلمة بحلقها قبل أن تُكمل :
- انا عارفة إن خالي عمره ما هايتخلى عني حتى لو غلطت ، وعلى العموم انا عملت اللي عليا معاه في الإتصال والمحايلة ، والباقي عليه هو بقى !
غمغت الاَخيرة بصوتٍ خفيض لم يصل الى رقية التي انتبهت على صوت جرس المنزل :
- طب قومي ياختي شوفي مين اللي جايلنا على اول الصبح كدة ومش صابر حتى لما الشمس تطلع كويس
نهضت زهرة تعدل من هيئتها وشال رأسها .
فتحت لتجد والدها يقتحم المنزل مهللًا وخلفه زوجته وبناته الثلاثة :
- صباح الخير ياست العرايس ياقلب أبوكي، عاملة إيه النهاردة؟
لم تجيبه زهرة فقد انشغلت عنه بتلقي المباركة والتهاني من زوجة أبيها سمية وهي تحتضنها بمودة حقيقة:
- ياحبيبة قلبي ربنا يتمم بخير يارب ويفرحك يازهرة .
ردت زهرة بابتسامة ممتنة قبل أن تعيد الكرة مع صفية وشقيقاتها الصغار ، الحسنة الوحيدة لأباها كما كانت تقول دائمًا .
فرك خلفهم بكفيه محروس قائلًا بحماس:
- ها يازهورة ، جهزتي نفسك بقى؟
هتفت رقية نحوه من الداخل :
- جهزت نفسها لإيه بس ياراجل انت؟ هو احنا لسة اصطبحنا ولا فطرنا حتى .
اندفع اليها متبخترًا يقول :
- الله بقى ، مش لازم اسأل انا واطمن على كل حاجة ، بحيث بقى لما تيجي عربية العريس اللي هاتخدنا عالفيلا بتاعة الباشا ، يلاقينا جاهزين ومش ناقصنا حاجة ولا إيه ياحماتي ؟
- يييييه، دا رجع يقولها من تاني ، وانا اللي قولت اني استريحت منها ، الله يسامحك على الورطة السودة دي ياحاج ويرحمك .
غمغمت بها بقرف رقية وهي تشيح عنه بوجهها ، قبل أن تلتفت على كلمات سمية :
- زهرة ياحبيبتي ، خلصتي كل حاجتك ولا عايزة مني مساعدة؟
- حاجة ايه ؟
تسائل بها محروس ببلاهة قبل أن تنهره رقية :
- وانت مالك انت؟ مش جيت ونبهت على ميعاد الباشا بتاعك ، جر عجلك بقى وانزل تحت استنى عربيته، احنا مش فاضين .
غمغم محروس بكلمات غير مفهومة بحرج وهو يخرج من الشقة ويتركهم ، فور مغادرته اللتفتت سمية لزهرة تسألها :
- ها ياحبيبتي مردتيش يعني ؟
ردت زهرة متبسمة:
- حاجة ايه بس ياخالتي ؟ هو انتِ شوفتيني يعني جايبة الجهاز اللي مالي البيت ، دي كلها شوية هدوم عبيت بيها الشنطة ، والباقي يعني، حاجات بسيطة مش مستاهلة
- خلاص ياقمر ، ادخلي انتِ الحمام خدليك شور زي مابيقولوا البنات كدة ، على ماانا روقتلك الحاجات دول ، وصفية بقى تحضر الفطار
- تسلمي ياغالية يابنت الأصول ، نردلك تعبك يارب في بناتك ياحبيبتي .
هتفت بها رقية لسمية التي ردت :
- تعب ايه بس ياخالتي ؟ وانا يعني عملت حاجة؟
شهقت رقية قائلة بشقاوة :
- اهاا دا كفاية تعبك معاها امبارح ياختي وهي دي شوية ؟
تغير وجه زهرة وهي تنهض مغادرة بحرج ، ضحكت لها سمية وهي تقول لرقية :
- كسفتيها ياخالتي ، وبنت بنتك دي مشكلة لوحدها .
لوحت رقية بكفيها الاثنتان امامها في الهواء تردف وهي تلوك فمها على الجانبين:
- إنتِ هاتقوليلي ياختي ، ما انا عارفاها خيبة .
٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠

نعيمي وجحيمهاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن