23ـ "وصية".

5K 289 111
                                    

أما آن للبعيد أن يقترب؟!
أم فقط يحق للقريب أن يبتعد؟!

********

وعلى الجانب الآخر كانت "رقية" تجلس بالصالة على الأريكة، تتربع وهي تنتصفها، وتمسك بيدها كتاب ما تقرأه، وأمامها كوب قهوة، وكانت مندمجة بجلستها هذه، حتى تناهى لسمعها صوت باب الشقة يفتح، لتعتدل في جلستها ترمق "سارة" التي دخلت وبصحبتها "أميرة" صديقتها وو..
ـ ريهام!!

همست بها بخفوت وتعجب، وهي ترى شقيقتها تدلف بجوار "سارة"، وهيئتها الباكية والمشعثة، جعل الخوف يتدفق بداخلها بقوة، وكأنها كلما حاولت جمحه، يعود ليحاوطها بشدة من جديد.

ولم يخطر ببالها شيء، سوى أن والدتها أصابها مكروه الآن، أو أن تكون خسرتها!
يا الله مجرد الشعور ينغص قلبها بألم شديد، كيف إن حدث لها سوء!
ألن تحتضنها لمرة أخيرة!!
ألن تتنعم برؤيتها جوارها بخير!!
كيف ستعاتبها على حياتها هذه، وأنها كانت سببًا-ولو ضئيل- في معاناتها بصمتها؟
بل كيف ستخبرها أنها تشتاقها جدًا؟

وبين شرودها، وصراعاتها الداخلية هذه، لم تنتبه سوى على اندفاع" ريهام"فور أن رأتها بقوة، لترتمي في أحضانها، وكأنها رأت طوق النجاة الآن.

شقيقتها التي ربتها وحدها، والتي علمتها الكثير، كانت تتحمل كل الأذى عنها، مقابل ألا يمسها أحد بسوء.

ـ رقية.. وحشتيني جدًا يا رقية.. كنتِ فين كل ده؟!
معدش حد بيهتم بي زيك، وو ولا حد بيقعد معايا ونضحك ونفضفض سوا، سبتيني ليه لوحدي يا رقية؟!
هنت عليكِ أنا وماما؟!

هدرت بها "ريهام" فور احتضانها لـ "رقية" وهي تدفن رأسها في صدرها لا تريد أن تغادرها، تتشبث بها بقوة حتى تحتمي فيها كسابق عهدها، عندما كان يزعجها بعض الأطفال، كانت تشتكيهم عند "رقية" وتختبئ خلفها، حتى تأتي لها الأخرى بحقها، وها هي الآن تختبئ فيها من جديد، تطلب الحماية والحب منها مجددًا.

أما عن الأخرى فشددت عناقها عليها، وهي تبكي معها، وكأن لغتهم الآن البكاء، تحت نظرات "سارة" و "أميرة" المشفقة عليهما.

تظن أنها لا تشتاقها هي وأمها!!  وأنها غادرتهم برضاها، تالله أنها جُبرت على هذا.

تشدقت "رقية" بتحشرج وبكاء وهي تنبس بحزن:
ـ غصب عني والله يا ريمو، أنا معنديش أغلى منك إنتِ وماما، غصب.. غصب عني والله، كان لازم أمشي عشان مكنتش هستحمل كل ده.

أنهت حديثها بتقطع، وهي تخرجها من بين أحضانها، تمسح لها دموعها بأناملها، وتقبل وجهها بحب ولوعة مشتاق لوطنه، تتمعن في هيئتها هذه، وحتى الآن لا تعلم سبب إتيانها إلى هنا، زما علاقتها بـ "سارة"؟
وأيضًا كيف هو حال والدتها الآن؟

تَصالَحتُ مَعَ الحَياةِ لِأَجلَك. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن