36ـ "مرحبة بعالمها الأخر".

5.4K 286 215
                                    


_قراءة مُمتعة يا رِفاق").

*************

فلتُخبر القلب أن ساكنهِ قد أُغرم بمسكنه وسُكناه، ما عاد وحيدًا يلتمسُ أي حنان، فقد أضحىٰ أخيرًا بصُحبة فؤاده، وأنّ جدرانه المتصدعة، قد نبتت من بين شقوقها زهورًا، فما عاد يطمح بشيء، سوىٰ السُكنىٰ بجوار حبيبه.

التخيل شيء، وأن ترىٰ شريك حياتك يُصرح بحبه لك هكذا، تنساب الحروف من بين شفاهها كشلالات العسل المُصفىٰ، فقد صمت لبُرهةٍ من الوقت، يُرغم عقله علىٰ العمل مرة أخرىٰ، أن يجيبها، يحتضنها، يُعقب بأي شيء، ولكنه كان كالصنم، الأمر الذي جعل "رقية" تستغرب حالته الساهمة هذه، وقبل أن تنبس بكلمة، كان هو يتشدق بعدم تصديق وكأن عقله من نسج هذا الحدث:
_" هو أنا سمعت كويس ولا دي أحلام يقظة، ولا يمكن بحلم؟!".

هل أصبح اعترافها بالحب الآن يُقابل بعدم تصديقه هذا!! هل ظن أنه بعد كل ما يفعله لا يستحق حتىٰ أن تخبره أنها باتت تعشقه كما يعشقها!!

عبست بملامحها قليلًا، وهي تجيبه بلوعةٍ من حزن:
_"إيه يا أنس إنت مش مصدق كل إللي قلته!! كنت شاكك إني ممكن مكونش ببادلك نفس المشاعر! أنس إللي إنت عملته معايا، وإللي شوفته في وجودك، كفيل إني أحبك كل يوم وكل وقت".

_"وأنا يكفيني إنك موجودة معايا يا رقية، إنتِ الحاجة الحلوة إللي من يوم ما عيني قابلت عينها، وأنا الدنيا كلها بتحلو في عيني".

قالها بعاطفة وهو يحاصرها ببنيتيه، لتبتسم له بحب هي الأخرىٰ، قبل أن تصيح بحماس وهي تحتضن كفه وتتحرك معه منتوية المغادرة هادرة:
_"طب يلا بقىٰ بعد الكلمتين الحلوين دول نمشي من المكان ده".

استوقفها سائلًا عن وجهتهما وهو يسحب معطفه معه:
_"استني بس رايحة فين كدة؟!".

_"ملكش دعوة بس، سيبلي نفسك النهاردة، وانسى بقى الحزن دا وودعه شوية، حاول تتجاهله شوية يا أنس".

قالت الأخيرة بأسى، فهي أكثر من تعرف كيف يصعب تجاهل الحزن، وأنه لا يُنسىٰ ولو مرّ عليه دهور، ولكنها تعلم أنه لا عيش ونحن نتخذ الحزن رفيقًا لنا في كل دربٍ نخطو به!!

حاولت مشاكسته قليلًا، هاتفة ساخرة علىٰ ملابسه التي تتشح بالسواد من أعلاه لأسفله:
_"معلش يا أنس هو إنت كنت بتعالج المرضى، وإنت لابس اسود في اسود كدة!!".

ضحك علىٰ قولها معقبًا بتوضيح:
_"مكانش عندي شغف أهتم بأي حاجة، ودايمًا الطقم ده لأيام انعدام الشغف والطاقة، الحقيقة يعني أنا بحبه أصلًا، والمريض مش جاي يركز في هدومي يعني، وبعدين أنا أعرف إن البنات بتحب دايمًا الشباب تلبس اسود".

قال الأخيرة بمكر، لتتوقف الأخرىٰ إثر انتهاء كلماته، ترمقه بشرر يتطاير من عينيها، قبل نبسها بهدوء مخيف:
_"وإنت عرفت منين يا دكتور إن البنات بتحب إنكم تلبسوا اسود؟!".

تَصالَحتُ مَعَ الحَياةِ لِأَجلَك. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن