43ـ "تحكي له حكاية".

4.5K 251 17
                                    

_قراءة ممتعة يا رِفاق").

*************

كان الحفل قد انتهىٰ، ورحل الضيوف الذين أتوا لمشاركتهم الحفل، وخرج الأزواج للاحتفال بمثل هذه المناسبة في إحدىٰ المطاعم، بعد أن جلسوا قليلًا مع العائلة.

وتبقىٰ فقط "أمل" وابنتيها مع "أمينة" يتسامرون في مواضيع عدة، حيث ألفت كلا السيدتين بعضهنّ البعض بتودد، وكانت الأكثر مرحبة بجلسة كهذه، هي "أمل" والتي ودت شكر الأخرىٰ كثيرًا علىٰ صنيع المعروف الذي فعلته مع ابنتها، حينما لجأت لهم، وطالت الأحاديث المتجاذبة بينهنّ، حتىٰ قطعت "رقية" حديثهم، وهي تتلفت في المكان باحثة عنه، ولا أثر له منذ رحل الجميع:
_"متعرفيش يا خالتو أنس فين مش شايفاه هنا؟!".

رفعت لها الأخرىٰ كتفيها، وهي تدعي عدم المعرفة، ولكنها اقترحت عليها بما فطنته:
_"مش عارفة والله يا رقية، بس ممكن يكون طلع فوق في الشقة يغير ولا حاجة، عشان الدنيا متكركبة هنا".

هزت لها رأسها بتفهم، قبل أن تمكث لبضعة دقائق، حتىٰ انسلت من بينهنّ للخارج، تاركة أحاديثهنّ هذه، وتعرفهنّ علىٰ بعضهنّ البعض، وقد توجست من نفسها خيفةً وقلقًا، وهي لا تعلم لما تركهم وخرج، باحثة عنه في غرفته أولًا، قبل أن تحبط محاولاتها، لتترجل خارج الشقة، صاعدة للأعلىٰ لعلها تجده هناك، كما اقترحت عليها والدته.

كان يقف في شرفة المنزل، بعد أن أخذ حمامًا دافئًا، وأبدل ملابسه إلىٰ أخرىٰ مريحة، ووقف يستند علىٰ سور الشرفة، يستنشق بعض الهواء المعبق برائحة الخريف التي تجمع بين نقيضين من العواصف والهدوء، يحاول أن يخفف بعضًا من الصداع الذي يكاد يفتك برأسه، ولا يود الآن سوىٰ، فنجانًا من القهوة الساخنة، في هدوءٍ تام، بعيدًا عن الضجيج الذي كان به منذ بعض الوقت بسبب حفل اليوم، ويضع بعدها رأسه علىٰ قدمها هانئًا، يحكي لها كم يشتاقها وبشدة، وأنه يكبح جماح نفسه بصعوبةٍ بالغة، من أن يقيم زفافه عليها في أسرع وقت، حتىٰ تكون معه، وفي بيته سويًا.

وكأنها خرجت من أفكاره، التي تدور بلا هوادة في رأسه، وهو يشعر بمن يضم خاصرته من الخلف، ولم تكن بالطبع سواها، التي لها حرية أن تفعل هذا، محتضنة إياه، واضعة رأسها علىٰ ظهره من الخلف، وهي تهمس له بعتابٍ طفيف، يتخلله القلق:
_"يعني مش كفاية إننا مبقيناش نتقابل ولا نقعد مع بعض كتير زي الأول، قوم تسيبني قاعدة تحت وإنت قاعد هنا بتشم هوا، وكمان مش قادرة أفهم مالك، ولا متضايق من إيه كدة، أكيد مش من خالد يعني!".

تنهد بضيق، وهو حتىٰ لا يعلم لما يشعر بالضيق هكذا دون سببٍ واضح، ولكن الكثير من المشاعر المتخبطة، وأيضًا الأشياء التافهة، جعلته يبدو كما التائه هكذا، ولم يفهمه أحدٌ سواها، لهذا وضع يده علىٰ يديها الموضوعة علىٰ صدره من الأمام، وهو يضغط عليها برفق، عقبه بإجابته المتحيرة والضاغطة وهو يبرر لها:
_"كنت عايز أخد شاور بس من إرهاق اليومين دول في هدوء شوية قبل ما ييجوا، والصراحة مش عارف أنا متضايق ولا فاقد الشغف تجاه كل حاجة ليه، يمكن كام سبب تافهين عملوا كدة، بس مفيش حاجة قوية يعني تقلقك، اعتبريها فقدان شغف ولا حاجة".

تَصالَحتُ مَعَ الحَياةِ لِأَجلَك. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن