1

100 8 2
                                    

قررت في خضم انفعالي و أنت تدرك أنني فتاة تعيش مشاعرها إلى أقصى حد ... قررت فجأة أن أكتب كتابا ، لا أدري حقا إن كان لك أو عنك ، إن كان متنفسي و وسيلة نجاتي ، أو مقبرتي التي سأدفن فيها أشلاء من مشاعر عميقة هزتني حتى النخاع و أنا معك ... كل ما أعلم أن يداي نقرت على الشاشة فجأة سأكتب كتابا و أنهيه في خضم ثلاث أشهر و أنت لم تدرك أنني كنت مصممة ، و صادقة ! فالفكرة تأتيني دوما على عجل ، تطرق الأبواب بقوة تجعلني أرتعش ، و على سبيل الضيافة أصنع لها قهوة خفيفة ، حتى أمسكها من أذيالها الملونة ، حتى أمنعها من الهرب ... و كانت الفكرة التي ساورتني و أنت تحشرني في الزاوية لكي أثبت صدقي ، تأليف كتاب ... لأن الكتابة مخرج طوارئي الوحيد حين يشتد عليّ جحيم هذا العالم ، و تعلمت مع توالي سنوات عمري أن أحترم نفحات الكتابة ، فهي لا تأتيني دوما غزيرة ، قوية ، و كثيفة بل إنها تساورني من ألم إلى فراغ ، و من بهجة إلى نشوة ، حتى أكتب ، حتى أحيط الكلمات حول جسدي العاري و أحلق بها ، جسد عذراء في دياجي الليل الحالك ، و قلب فتاة يبصق مشاعر من عالم آخر ... تعلمت أن أحترم الكتابة ، ككيان آخر يتشاطر معي هذا البدن الذي تسائلت دوما إن أحببتني بسببه أو أنك أحببتني لروحي
هل أحببتني لروحي أنت ؟
لأن أمي أخبرتني ذات حديث أن العشق ليس للجمال بل للروح ، و لم تقلها على سبيل الحكمة بل على سبيل الدهشة من نكراني لهته الحقيقة ، فهل عشقتني لروحي ؟
إني قد فهمت و السنون تركض بي جموحا أن الكتابة التي قررت بها اليوم توثيق قصتي معك وقوفا في وجه العرف و التقاليد و الحياء و السرية ، هبة من الله سبحانه ، فتعلمت أن أحمده عليها ، على قدرتي دوما على الإلتواء و الانسياب حتى أحس بالراحة تطفأ لهيبي ، و تسائلت دوما : كيف يفعل الآخرون إن كانوا لا يكتبون ؟! ، و يحسدنا الكثيرون على هته الملكة ، لكنهم لا يعلمون ... أنك توثق مشاعرك عندما تكتب ، و تموت في كل مرة تعيد فيها قرائتها ، تلتهب المشاعر فجأة و تنتفض كأنك صنعت منها وحشا من لحم و دم يتلاعب بضعفك البشري المثير للقرف . هل أخبرتك مسبقا أنني أكره الضعف البشري ؟ أكره أن أجد مواطن الضعف ، في نفسي و في الآخرين ، أكره أن يتعرى أمامي الضعف جليا ، في أشد حالاته حقيقة .. أكره الضعف البشري و أنا أعلم أن القوة بيد الله واحدا أحدا ، رب الأرباب و ولي الضعفاء و الأقوياء ، و هو ما يجعلني في الكثير من الأحيان أكره نفسي ، لأنني أكره الضعفاء كرها جما ، و لا أرضى إلا على الأقوياء ، على الأسود و النمور و الفهود ... حتى من أقرب الناس إلي ... بحتها لأمي ذات يوم ، على وقع الدهشة من نفسي اعترفت لها أنني لا أحب الضعفاء و لا أتقبلهم و أنهم يثيرون بداخلي لهيب الثورة على استكانتهم و رضوخهم ، حاولت مجادلتي بكلماتها اللينة لكنني سطرت خطا أحمرا فاقعا على الموضوع : القوي مو من يصنع من نفسه قويا ، و الضعيف هو من يصنع من نفسه ضعيفا
تشدني أفكاري بعيدا عنك ، و اليوم قررت أن أظهر عارية أمامك ، حتى تعرفني ، فأنا لم أكلمك يوما عن نفسي ، و تركت لك دوما الخط مفتوحا ، تتحدث عن نفسك ساعات عدة ، دون أن تتسائل إن كانت الفتاة التي تقابلك لا تخفي خلف صمتها شيئا ، لكنني يا رفيق الدرب أخفي خلف صمتي آبارا من الحديث ، أخفي حقائق تجعل بدنك يقشعر و أماكن لن تطئها قدماك يوما ، أخفي خلف صمتي أطنانا من الكتب و في كل كتاب قرأت نبتت لي من تربة الدهشة أنا جديدة و كلهن يعشن الآن بداخلي ! نساء كثيرات و متصادمات ، كوهن القطن و وردية الآحلام ، من كل واحدة تنبت امرأة جامحة ، امرأة لا يمكن ترويضها تنهضن كلهن فجأة لصالحي ، أخفي خلف صمتي ذكاء لا أستطيع التحكم فيه ، أخفي دربا معوّجا ، فدربي ليس مستقيما و إن كنت أحب الخطوط المستقيمة ، دربي ينعرج في كل مرة فيدهشك فيّ ، أدهشك باستمرار و دون توقف .... و تتسائل أنت و أنت تقف قبالتي إن كنت جبلت أنا حقا من طينة الأرض و عرقها ، أم أن النار التي تتقد داخلي ليست من خطيئة الذنب و الفتنة ، تتسائل أنت عن النور الذي يشع مني ، إن كان الله قد وهبني إياه من ضياء الملائكة ... تتسائل و أنت تراني إن كنت تعرفني حقا ؟ و إن كنت ستعود كما كنت قبل أن تعرفني ... لأنني أنا أستعصي على فهم نفسي ، و كل ما أصبر عليه هو أن نقطة البداية بيننا لم تكن ملتوية .
فلأكتب في سبيلك انت الذي أيقظت بداخلي كتابتي .
سأكتب لك لتعرفني ، لأنني تعلمت بعد طول الزمن ألا أتكلم عن نفسي خوفا عليها . من دهشتهم ، و من خوفهم ، و من فهمهم لمكانتهم بجانبي ، تعلمت ألا أفرد جناحاي الضخمان الهائلان حتى لا أخيفهم ، حتى لا يهربوا ، حتى لا أتعب أحبابي معي . تعلمت أن أنطوي في زاوية الصمت لأنها هبتي الربانية أن أختلف ، بصخب يجعلني أخاف على النعمة أن يرفعها عني الله . فاحفظني يا رحيم بعينك التي لا تروم و اجعلني تحت جناح رحمتك التي لا تتركني في هوى نفسي أو في هوى عبادك الأشرار

سأكتب لك أنت ، إذ حررتني دون أن تدري من صبري ، عبادتي السرمدية ، عبادتي محتومة القضاء و مزعومة الوقوع ... أنت من استطعت بصدقك أن تحررني فجأة لأتكشّف قبالتك .
فتاة لم تعرفها .
فتاة أنت على وشك معرفتها .

وعد Waar verhalen tot leven komen. Ontdek het nu