6

17 3 0
                                    

كلما تعثرت بالحيرة تذكرتك .
أتذكر حيرتي في القرار الذي اتخذته بصرامة فجأة أن أنقطع عنك بعد طول تعود ، لكنني الآن و قد بكيت كل دموعي لم يبق لي سوى الكره ، كره و حقد شديد نحوك ، البارحة جلست بجانبي في أحد الدروس التي نأخذها معا ، لا أعلم لماذا فعلت ذلك ، لكنني شعرت بالاختناق لفكرة قربك ، بدوت لك ساكنة ، لكنني كنت أحاول باستماتة إطفاء براكين و حمم كانت تجعل من قلبي المهترئ رمادا أسودا ، شعرت بأن رئتاي غير قادرتين على تصفية الهواء ، بأن عضلاتي لا تخضع لإرادتي ، شعرت بالموت يتسلل ببطء و مكر إليّ . لأنك أنت يا حبيبي جالس قربي .
شعوري لم يخني يوما و أنا أشعر بك سامحتني ، غفرت جنوني و اضطراباتي و تريد احتوائي .
لكن ألا تفهم ؟!
أريدك أن تبتعد عني ، أن تنساني ، أن تمحي ذكراي ، أن تتوقف عن حبي
أريدك أن تكرهني !
فأنا يخيفني الحب و يرعبني التعلق و أريد أن أحميك و أحميني ، لأن القصة بيننا يمكنها الاستمرار و العلاقة بيننا وثيقة أخشى أن تجعل منا شريكي عمر فأهرب فزِعة ، دون أن أقول لك ، دون أن أطلب منك أن تهدئني و تهدهدني و تطمئنني و تثبِّت رجفتي و قلقي و خوفي ، أهرب خوفا من الحب بيننا و الصدق في حركاتك و مشاعرك .
ألم تفهم الأمر بعد ؟ لست من الفتيات اللواتي يحلمن معك ، في اتصال هاتفي يدوم أربع ساعات ، أنا فتاة تحلم وحيدة في عمق زحام الأيام و أبني أحلامي بساعدي هذا وحيدة و عازمة ؛ لست من الفتيات اللواتي يملكن الصبر لانتظار قدومك أو تفرغك ، لا أبالي أنا يا حبيبي ... لن أهمس لك أنني أحبك بعمق السماء و البحار و لن أعدك أنني سأبقى وفية و على العهد حتى الفناء ، يمكنني أن أرحل في أي دقيقة يقرر فيها عقلي التوقف عن العبث ، لست فتاة كلاسيكية ، لا احلم بقصة عشق رومنسية و برجل يأتيني راكضا على حصان أبيض ، لا تستهويني قصص ديزني و روايات غريم ، فأنا لا أحبذ حتى قراءة الروايات ...
وحدي أن اليوم ، بالأمس كنت معك و غدا سأفعل كل شيء لأبقى وحدي فهو سهل جدا علي أن أعتاد الصخب و الرفقة الكثيرة ثم أسلك الدرب وحيدة .
يا مدينة الألم ، لن تلتئم جراحي إن بكيت لذا فأنا أغرس أنيابي في جلدي و لا ألتفت لصراخهم .
إنها موهبة صناعة التعاويذ ، ترقص القسوة على أطراف أصابعي و يغفو الجفاء على أطراف شفاهي ، شعري متشبع برائحة دخان الرمان ، تميمة الخلد و تعاقب الفصول ... هل ترى يا حبيب الروح في عيني روحا جديدة ؟
أتنفس من دمائي .
تفوح مني رائحة الحياة
غريب هو أمر هذا الجسد ، كل يوم أحشر فيه عقلي و يحمله رغب التعب !
حتى بين الجميع أعيش وحدي ، من بين آلاف الوجوه المقابلة ، أبقى وحدي ، رغم أن عيني تجيد رؤية الاختلاف .
أذكر أن أحدهم أخبرني ذات يوم أنه لا يصدقني ، و أنه يستحيل أن يشد الجميع انتباهي لأن العالم ليس سوى كتلة بشرية هائلة و قلائل هم المتفردون ، أخبرته حينها أنني كاتبة و أنني لا أنظر للحياة بنفس العين التي تنظرون بها إليها أنتم ... نفس العين التي جعلتني أتخلى عنك في عز تعلقنا و أفلت يدك و هي تربت على يدي .
لكنني أحب المشي وحيدة . أن أنفض الآخرين عني ، أنتم تثقلونني و أنا ... لا أنحني لغير الله تعالى ربا و مولى .
يقف الناس دوما حائرين أمام نصوصي و قصائدي ، يقولون أن المعنى يتجاوز حدود الكلمات .
فكيف أملك أنا هبة غزل كل هذا من مجرد كلمات تائهة في فكري ؟
و لكن الكلمات هي تعبيري عن نفسي الهائلة ، الكلمات هي لغتي و شخصي و هواجسي و أفكاري .
أفكاري التي تأتيني دون إنذار ، برّاقة مدهشة و في غير وقتها تماما .
الكلمات هي نجاحاتي و انتصاراتي و هزائمي ، هي التعليقات الجارحة و النظرات المستعصية ، كره شديد نحوي فجأة دون سبب ...
الكلمات هي خجلي و تعبي و ضغطي الشديد لنفسي
هي حوجلة سخطي و اختلافي و تفردي و جنوني .
يضمر الآخرون نحوي خوفا لا يكن و لا يستكين
أظل أكتب
أستحم في جروحي ،
و أكتب ،
أتعب الجدار العاري ،
و أمي ،
و رأسي الذي يرفض العِوَج ،
و أبي ،
و أكتب ،
ألد المزيد من الأعداء
و أعرّي ضعف الآخرين عورة ،
و أكتب ... أؤذيكَ أنتَ ظالِمة .
و أكتب ، أُبقي إيماني في نفسي متوهجا . و لا أشعر أبدا أنني أقدِّم أقصى ما أملك ... أستطيع دوما فعل المزيد ، أستطيع جعل ما أفعله أفضل لكنني لا أعلم كيف ؟ أين هو التشقق الذي يفلت من بصري ؟ كيف لي ألا أفهم نفسي و قد قضيت العمر تائهة في غيباتها ؟
مشكلتي الأزلية هي أنني لا أقبل استصغاري للآخرين .
أين الكتب التي اِلتهمتها كدودة شرهة ؟!
أين الأفكار التي جعلتني أشعر بالتخمة ؟
أين الوعي الذي عبئني قلقا ؟
قل لأحلامي أن تنتظرني ،
حتى أؤمن
حتى أثق ..
تسميني يا حبيبي الرزق ، استجابة لدعوة أمك في جوف الليل ؛ تراني بعين التعظيم فتاة العمر . يؤذيني حبك و أنت تريدني و أنا لا أريد لنفسي أن تؤذيك ..
أقسم لك أنني لم أولد هكذا ، كنت نقية و بريئة كوهن القطن و عفوية الأزهار ، كنت أفيض حبا و تعلقا و أكرر كلمة "شكرا" ألف مرة حتى أزعج من معي ... كنت حساسة لدرجة أن كلمة وحيدة تؤرقني ليال عدة ، لدرجة أن إيمائة بسيطة قد تدمرني .. كنت أتألم بعمق و أبتهج بعمق و أحب بصدق و أعطي بكل سرور ...
لكنني الآن هاربة فقط ، هاربة أبتعد ، قلقة أهرب ، كارهة أستعجل المغادرة .


وعد حيث تعيش القصص. اكتشف الآن