2

47 6 0
                                    

قرأت نصا يقول :
لطالما تعجبت كيف أن النساء اللواتي يحملن الحرب في عظامهن لا زلن ينبتن الورود من بين أسنانهن .

و أتعجب أنا كيف جعلتني أنبت المشاعر فجأة و قد ظننتُ أنني لم أعد أمتلكها ؟ سبحانك ربنا ما أجمل الهبة التي رزقتنا إياها ، ضاربة بجذورها في أعماقنا ، تجعلنا نعيش الحياة الدنيا بقوة و بعمق لا يليق بدنسها ..
و أحييت أنت المشاعر في عدة مواضع يا صديقي ، أحييت مشاعري و أنا أرى عيناك ، بئران سوداوتان كنت أرتعش و أنا أحكم النظر إليهما ، كانت عيناك تبدوان فارغتين لكن روحك لم تكن كذلك ، و لم أفهم إلى اليوم أين الفراغ الهائل الذي تبوح به نظراتك ؟ أين هذا الفراغ الهائل الذي أراه فيك ؟ و الذي تخونه أنت دون أن تدرك . أين الفراغ في روحك فأنا قد تعرفت عليها حية و صادقة ؟! هل فراغ الدين هو ؟ هل ينقصك فراغ الدين حتى تتعبى و تمتلئ ؟ فأنا بحثت بين تضاريسك مطولا و لم أجد شيئا ، لكن نظرتك تبقى دوما تخونك ، و كأنك ... منفصل عن العالم ، و كأن ما حدث لك شيء عظيم لا يستطيع الكلام ترقيع الفجوة الهائلة التي تركها ، لكنك لم تقل لي شيئا عن هذا ... فخلِصت إلى أنه الدين ، تنقصك قوة من الله تملؤك ... أنت لا تتفهمني في الكثير من الأحيان و أنا أقول لك هذا ... لكنني أقصد ما أقول لأن عيناي تخلِّدني في ذاكرة الجميع و أنا أسلطها عليهم ، تجذب نحوي انتباها يدهشني ، دون أن أفعل شيئا ، و أنا جالسة في الركن المظلم من الزاوية المنعزلة لكي لا أظهَر ... أجدني عن جهل مني أسطع ... هي فقط عيناي ، قوة من نوع آخر ، تفضحني و أنا أريد الاختباء ، نظرتي تشد نحوي الأقوياء و الأقوياء فقط ، تشدهم فضولا ، و في الكثير من الأحيان تشدهم انتباها أعجز عن تفسيره ... فأقرؤ عيناك بنوع من الحذر و الريبة يجعلني أتسائل عن حقائق تخفيها أو عن أسئلة أملك أنا أجوبتها دون ان تعلم ذلك ... حديث الأعين لا يخون يا رفيق دربي و اليوم على هامش الحياة أريدك أن تقرأ في عيناي قصصا لا تبلى و حكايات لا تُنسى ، أريدك أن تضع عينيك في عيناي و تفهم أنني صادقة ، أنني لم أخلعك عني بل إنني خلعت قلبي ... كي أمشي حافية ... حرة !
لأنني كبرت فجأة دون أن أستوعب ، فجأة أصبحت الخطوات حادة و مصيرية إلى درجة تثير خوفي ، و الخوف ضعف يبللني كاملة ... فهربت منك ، هربت و أنت تحيط يداك حول خصري الرقيق ، هربت و أنت تضع رأسك على كتفي الأيمن ، هربت و أنت تشدّني من كلتا يداي نحوك ، بكل لطف ... دون أية قسوة ، و أنت تضع شفاهك على بشرتي ، تتذوقني ، كقطعة من الحلوى ، و أنت تقبلني ، و أنت تشم رائحتي ، و أنت تمسح على شعري ..
هربت منك ! و سئلتني أنت بكل ذعر مالذي أخفيه عنك ، و أنا أرتجف ، غير قادرة على النظر إلى عينيك ، غير قادرة على شرح الرجفة القوية التي تأخذني ، و قرأت في صوتك خوفا مدفونا عليّ ، و أنت تترجاني بكل حنان أن أخبرك ما أخفي .
لكنني لم أكن أخفي شيئا عنك ! أنا فقط لم أكن لأرقص فوق النار لأرضيك عني ، كنت تحرقني في كل مرة تلمسني ، و كنت أخفي عنك الألم ، قويا و عنيفا ، يدفعني نحو النهايات العميقة أين أسقط بلا قاع .
كانت كل هته الآلام تدهسني و كنت أخفيها عنك بكل بساطة تماما كبلاد مشتعلة بالثورات لكنها هادئة على الخريطة ... و أنت لم تكن تحس بشيء لأنك كنت مشغولا جدا بنفسك لدرجة جعلتني ككل مرة في حياتي أجمع رمادي وحدي ، و ألتهب من جديد فتفرد العنقاء جناحيها و أولد من حطامي . أقوى مما كنت ، أنضج مما عرفت نفسي ...
لكنني عانقتك بكل صدق ، أحطتك و طوّقتك و دفنت فيك رأسي أحتفظ بين ثنايا ذاكرتي برائحتك ، لم أخبرك يوما أنني سمعت نبضات قلبك عندما وضعت رأسي على صدرك ، منتظمة و هادئة ، تبث الحياة في جسد الرجل خاصتك ، تهِبك اندفاع الشباب و نضارته ، تهِبك زهرة العمر ، تهِبك حب المغامرة ، و تصميم الخوض في كل ما تريد . حضنتك بقوة حتى انكسرت ذراعاي و انفصلتا عني .. و أنت لم تفهم ... لأنك لا تفهمني أبدا !
لم تفهم أن عناقك كان الراحة الوحيدة التي سمحتها لنفسي ، طيلة حياتي ...
ثم انفلت مني كل شيء بعد هذا العناق ، و حُكِم عليّ ألا أعانق مجددا ، لأنك شحنتني دون أن تدري ، بما قد يكفيني لعقدين آخرين ...
حرقني قربك يا رفيقي ، حرقني حية ، لكنني لم أصرخ أبدا . لأنني صامتة دوما ... هادئة أو ثائرة ، ثابتة أو متزعزعة ، منتصرة أو مهزومة ، صامتة كعبادة أزلية ، كعيب سرمدي .
لا تحزن أرجوك ، فأنا أكره الكسرة في عينيك ، أكره صوتك المبحوح و جملك القصيرة ، لا تحزن لأنني أكره أن أربط حياة آخر بحياتي ، فأؤلمه ، فأراه يتساقط قطعا بسببي ، لا تحزن لأنني أحبك !
هل تذكر عندما رأيت صورة صديقك في هاتفي ؟ أنا أذكر و لا أنسى انقباض ملامحك ، لا أنسى عندما نهرتني بكل عنف : لماذا لم تخبريني قبل هذا ؟ لماذا تركتيني أندفع في حبك ؟ ، ترجيتك مطولا أن تهدأ حتى تفهم الموضوع كما ينبغي ... لكنك بدوت لي كمن صُفِع فجأة من مكان ما فأبى أن يقترب منه مجددا ، تركتني و مشيت ، عاقدا حاجبيك ، و لم ترد أبدا أن تنظر إلى عيناي ... هربت من عيناي ، كنت تنظر إلى كل الاتجاهات إلا وجهي ! كانت أول مرة أؤلمك فيها و لم أحتمل ! لم أحتمل رؤيتك في تلك الصدمة و بكل بساطة وضعت قبلة على وجنتك ... هادئة و عفوية ، كما تنزل الفراشات على حقول الأزهار ، كما تنزلق قطرة الماء ، لكنها كانت عميقة كتمسكي الغريب بك . تمسكي الذي لم أعرف سببه إلى اليوم .

وعد Where stories live. Discover now