20

19 4 0
                                    

هناك الكثير من الكلمات المتكورة في حلقي و الملتصقة خلف بوابة شفتاي ، تنتظرني أن أفتحها لتنهال كالسيل العارم عليك ، يرن هاتفي دونما هوادة برقمك لكنني لا أستطيع أن أرد ! لا أستطيع أن أتكلم ، لا أستطيع أن أستمع إليك ...
ما زال في العمر متسع ، فلِما تلّح كل الإلحاح ؟! ، الوقت لي صديق مرح ، يعشق التلاعب بوتيرة سيره ، أتساءل لِما لم نخترع وسيلة لنقيس بها مدى سرعة مرور الوقت ؟ نحن نقيس الدقيقة و الثانية و الساعة لكننا لا نقيس سرعة مرورها ، فالوقت أحيانا يبدو متثاقلا و أحيانا أخرى يبدو على عجلة من أمره . دون أن نعرف السبب ، دون أن نعرف المغزى ...
قلتُ ذات يوم أنه عندما يتجلى الليل أسودا ، عاريا بداخلي ، سأولد من جديد ... اليوم الليل يشتد حِلكة في نفسي . و أنا أتجهز لولادة جديدة ، أخشاها أن تكون قيصرية ، ألا تمر طبيعية ، أن أنسلخ من فتات العظم و جلد الجفاء لكي أولد من جديد ...
تعيدني إلى نفسي أغنية قديمة . ممرقة في تاريخ هادئ ، أتذكر فجأة نظراتك ، بريئة كذئب بري جائع ، و فجأة لا أكن نحوك ذلك الحقد الحالك ! فجأة أتفهمك و أتفهم نفسي فأقوى على أن أسامحك ، على أخطاء ارتكبتها أنا بملئ إرادتي ، فدية لصديقك المعلق في مدخل الاستفزاز المطلق ... ندرة على كتف ندرة أصبحت كلماتي الموجهة إليك ، و أحلامي التي تبوح لي بِنِيَّتِك التي تكِنّها ، قرأت البارحة نصا قديما احتفظت به منذ سنتين يقول أنه لا يوجد فكرة تظهر في رؤوسنا من العدم أو صدفة بل إن كل شيء ما هو إلا جزء من ترتيب هائل و متسلسل للأفكار في لاوعينا ، رسالة سابقة لأوانها أو قطعة ضائعة من الأحجية المبهمة . و كذلك أثق أنا أن كل أحلامي التي أراها رسائل مشفرة كأن أرى صديق طفولتي مثلا يعيد إليّ قميصا أبيضا متسخا أجد بين طياته صورتك !...
أفقد وزني في كل مرة أنظر فيها إلى المرآة و لكم هو أمر يزعجني ! تحت عيناي تتدرج الهالات ، أمازح أمي و أقول : ابنتكِ تتحول إلى باندا . شاركت ذات يوم مقطعا صوتيا على منصة اليوتيوب يقول أنه عندما تهتم الفتاة بخفض وزنها قبل خفض جهلها فأنا لا ألومها بقدر ما ألوم المجتمع ، فالمجتمع يقيمها من تسريحة شعرها قبل أسلوب كلامها
ويقيمها من ماركة حذائها قبل أن يرى تراث معلوماتها
ويدقق في لون أظافرها قبل أطياف أفكارها  ..
ويتسارع الشبان عند قدميها قبل ثقافتها ..
عندما يكون المجتمع سطحيا .. فلن تكون تربيته أعمق من ذلك ..  و لن تكون الفتاة أكثر عمقا منه .. 
تفاجئت بعد مرور أسبوع من مشاركتي للنص بمنصة اليوتيوب تبعث لي تقريرا مفاده أن مقطعي الصوتي قد منع من العرض في عدة دول عربية سأتفادى ذكرها في هذا الكتاب حتى لا أنحاز لحزب أو لجماعة ، فأنا أتبنى في حياتي منهج إكتور آباد كما وصفه في كتابه الرائع "النسيان" إذ أتفادى منذ حداثتي الانضمام إلى حزب أو جماعة أو مظاهرة أو كل ما قد يؤدي بي إلى التفكير تفكيرا جماعيا ممنهجا حسب الأيادي التي تتحكم فيه و تسيره ، و يبعدني عن التفكير الفردي و السوي الذي يفضي بالفرد إلى نتيجة عقلانية و ذكية ... المزعج في قصتي أن هته الدول التي منعت دخول مقطعي الصوتي إلى ثقافة بناتها و أفرادها تعكس تعليب الأفكار الذي نكون عرضة له و نحن نتصفح هواتفنا و نخمن أنه بإمكاننا الاطلاع على كل الأفكار و كل الثقافات عند الارتباط بالشبكة .
من مهد صراعاتي تولد أفكاري ، و من علاقتي مع جسدي تنبثق نجاحاتي و ابداعاتي ؛ نسيت كيف أنام  . و كيف آكل . و كيف أبتهج دون أن أحس بظل ما ثقيل ينتظرني في نهاية المنعرج ، هته الأسابيع الأخيرة يوقظني دوما أحد من عائلتي و أنا أصرخ أو أئن ليلا ، "كابوس" أهمس و أنا أتعرق و أمسح جبيني ، لكنها ليست كوابيسا ، بل هي أفكار تقيدني كسلاسل من فولاذ ، تحشرني في حجرات مظلمة ، تخنقني .. ذهبت إلى قاعة عروض السينما عشية اليوم ، و من فرط الإنهاك أرحت جانب جسدي الأيمن على الكرسي الأحمر خلفي فلامست دون قصد مني الشاب الذي بجانبي ، اِبتعدت عنه سهوا و أنا أتذكرك ، تذكرت مسكك لساعدي ، سخِرت منك إحدى صديقاتي ذات يوم قائلة أن المرأة هي من تمسك ساعد الرجل و ليس العكس ، لكنني كنت أغضب منك إلم تمسك ساعدي أو تركتني أمشي قبلك .
أسخر من ذكرياتي ،  تتحول إلى شق طويل مضيء يطل على الشريان في معصمي ، في كل مرة ينبض فيها قلبي يبصق منه الحنين ... تنقصني الغفلة أو اليقظة أو فقط عودتي إليك كما نعود إلى أصلنا لكنني أدفعك بعنف لو عاملني به أحدهم لما عدت لمحادثته لبقية أيامي . فأندهش من صبرك معي ، عظيما و متريثا ، و من رغبتك المتواصلة فيّ مضرمة من حطب لا أعرف جذع شجرته !
في الشقوق و الثغرات و الجدران الحجرية ، ينبثق خوفي من المستقبل المبهم الذي يقف قبالتي ، يمتد نحو الأمد ، سرابا حالكا ... أثق من عظامي أنك لست أفضل من قد يواصل معي الرحلة ، فأجيب على اتصالاتك و أقول
" أخطأت في الرقم لستُ من تبحث عنها "
بين البسمة على شفتاي و الرجفة في أناملي أغلق الاتصال ، و في جعبتي بعض الحب الذي لا أزال أكنّه نحوك لكنني بكل بساطة لم أعد صالحة للحب ، و لم أعد أقوى على الاحتفاظ بعلاقة بشرية اجتماعية كامرأة سوية و سليمة .
لعل موطن ضعفي الذي أعيفه يكمن هنا
و لعله يكمن في عدة مواضع أخرى
لكنني سأقف على ناصية الحلم مهما عاثت فيها انكساراتي خرابا
لأواصل ..
لكي لا أستسلم ..
سأشتاق لك ، و سأندم لأنني عرفتك ، و سأتفادى طريق بيتك و أسماء أصدقائك ، و إن سألني أحدهم عنك سأقول أنني لم أسمع باسمك يوما
هكذا أفعل مع الأشياء التي تزعجني
أدفنها و كأنها لم تكن يوما .
هكذا أتحكم في حياتي
بأن أشعر بأنني قادرة على تغيير الماضي و المستقبل .
يا وعد شبابي !
فلتغفر .

وعد Where stories live. Discover now