12

10 3 0
                                    

يقال : تُعرَف معادن الناس ، من خلال حديثهم عن الناس .
و من خلال حديثنا المتقطع عنك ، عرفت معدن صاحبك ، عندما يذكرك بحقد و غل شديد ... اكتشفته و هو يكلمني مطولا دون أن يدري أنني أكتشف شخصيته ، تدريجيا مع كل كلمة عابرة ، و مع كل شعور ينفلت منه ، اكتشفته ، أنانيا و معبئا بالكره إلى أبعد الحدود ... كنت تحدثني عنه بألفة الصديق الأمين ، و كان يحدثني عنك ببغض العدو الغيور . فتساءلت لِما يكرهك ؟! ، أشعر في قرارة نفسي أنه الوجه الآخر لشخصي ، صورتي المعكوسة في المرآة ، تلك التي و إن عاكستني فهي تشبهني بطريقة أو بأخرى ... و بين القلم و الورقة أسكب حبرا / سرا أحييه ثم أدفنه .
كم قاسية هي نفسي !
و تعلمت التخلي في أوج التمسك .و تعلمت الرحيل في عزّ التملك . ليس غرورا ، ليس كبرياء ، إنما هي عزة نفس ! فأنا لا أسكب نفسي في كأس لا تليق بلمعانها .
آثار أقدامي على الرمل ... رجفة فتاة في جوف الليل ، شعر فتاة على نافورة الغزل ، صوت فتاة في بستان الغزل ... جسدي و أنوثته ، لعنة مباركة ، أخبرتك يا عزيزي أنك لم تحبني لنفسي بل أحببتني لما أبدو عليه ، تذكرت و أنا أشرح لك الأمر رواية إيكادولي ؛ لكن ... هل فهمتني ؟!
أتشتت ... و الحلم أمامي عظيم و أنا أعظم
و الناس حولي صغار و الله أكبر ، و الكتب في رأسي تجبرني على الصمت ... تعبا .
أثق أن صورتي ليست ما تعكسه مرآة الآخر .
كيف لي أن أكتب كل تلك الكلمات ؟!
أغيّر بها حياة الكثيرين و لا تفلح في تغييري ؟!
جسد عذراء تحت المطر ...
يخيفني سواد عينيك ! تتعالى قوة ، أعرّيك ضعفا ، فتصغر . تصغرون كلكم !
و صديقك يغلظ عليّ فأبقى ثابتة ؛
يندهشون و أنا أربض ...
أحتاج عوالم أخرى و ناسا لا تعرفني !
أحتاج بدايات أخرى ... أن أمحي التاريخ و لعنة الذاكرة .
لجسدي قصص أخرى لم أروِها لك ، و لعيونك قصص أخرى ...
تأخذني من أجنحة الصيد إلى بساط علاء و ياسمين ، عين صقر حادة في خضم الإنفعال ، بينك و بين صديقك أبدو لكما كفريسة سهلة المنال ، أختبأ .. في جحور الصمت همسات الوحشة ، و الارتجاف من تعرّي السر .
يا سري المعلن ، و يا إعلاني المخفي ! يخنقني قربك و أنت الهواء ... كمن يتحدى السلطة أؤذي نفسي لأثبت لك و لهم أنني لا أخضع لسلطة أحد . و لا أخضع لقيود حبك ، و لا أنحني تحت ضغط صديقك .
لكن... هل تعي ؟
و أنت ترتجف حبا ، و تركض نحوي محموما .
عشقك ينهكني ، لأنني لا أحس .
إستنزفنا الشعور ، ركضا خلف القوة ، إستهلكنا الإحساس لهثا خلف النسيان .
و كناي حزين أفرغ السكر من أحشائه ، أعزف سمفونية وحدتي و وحدتك بُكيّا .
أربي الأمل على عتبة الخوف .كمواليد برج التعب ... أنفخ على آخر شمعة من التخمة ، علّمني يا حبيبي أن أكتنز البهجة فلا يسرقها الآخرون ! علمني أن أتخطاك مُضيّا نحو غد مشرق ، و ألا أحقد على صديقك لأنه و برغبتي أنا حال حائلا بيننا .
أغمّس أصابعي في النار الباردة و أطهر شفاهي من قول الحق .. لعلّي في النهاية من الأشخاص الذين لا يطاقون في نهاية الأمر ، أولك الذين يشعرون أكثر من اللازم ، الذين تؤذيهم كلمة و تكسرهم نظرة .. لعلي من أولئك الفئة الذين كرهتهم طيلة عمري لأنهم يحسون أكثر من اللازم ...لعلي في النهاية أحس أكثر من اللازم ... لأنني قبل أن أختار صديقك تلويت ألما و أنت تتكلم معها ، أدركت أنك تريد إثارة غيرتي لأعود نحوك لكنك لم تثر غيرتي ، أنت أثرت قرفي ، بغضي ، كرهي و رحيلي ! على الرغم من أنني كنت أعرف أنك تحبني إلا انني و لو ابتعدت عنك ، أردتك لي وحدي . بنفس الطريقة التي أردتني بها لك وحدك !
اليوم أرى كسرتك و كسرتي ، ألمي و ألمك ، حبك و حبي .
اليوم أتهمني و أحقق في أمري و كأن ضميري استيقظ هلعا فجأة من غفوته .
أُنزل العقوبات على نفسي .
هي المراقبة الذاتية ، الصرامة في محاسبة النفس ، هو الانضباط العاطفي و السلوكي و الأخلاقي ، الذي فرضته أنا على نفسي ! و الذي لا أظنك تستوعبه حتى الآن ... حاولت أن أشرحه لك و أنت تحيط يديك حول خصري و تشدني نحو صدرك فأدفعك قلقة . و أنت تهمس لي برائحة السجائر الندية في أنفاسك اللاهثة .. و أنت تحيطني برائحتك المثيرة . رفضتك علنا . و رغبت فيك علنا . و انفصمت سرا .
أمسح على صدري ثلاثا و أكرر : ليتني كنت ترابا ، يقولون : قيلت في الكافرين ، أقول : أولى بها المحبون !
أرمي الهاتف بعيدا عني ، و أتوقف عن الخروج من المنزل ، أتفادى طرقا تحمل رائحتكما ، أتفادى مقابلتك في الطرقات ، أغيّر مواعيدي على عجل في الدقائق الأخيرة ، و أكبر ... أكبر ، حتى لا تسعني أنت بعد الآن ، أتعرّف على نظرتي عندما أمشي خارجا ، حادة ، عميقة و باردة ... أتذكر كتابا فرنسيا لآلان دونولت أحفظ مقدمته عن ظهر قلب : " و هته النظرة الثاقبة في عينيك مقلقة ، وسع حدقتيك و أرخ شفتيك " أتعرَّف على قوتي عندما أتكلم ، عندما أقف ، قوة لا شك أنك تحلم في امتلاكها ، لكنك لن تمتلكني ، لأنني لا أُمتلك . لأنني يصعب إلفاتي و إفلاتي و إتلافي . لأنني مهما بردت حريق . أنا حالة طوارئ على الدوام ، اكتظاظ و صراخ و ركض و حياة ازدحام أكبر من عقلك الصغير و مخيلتك الجرداء الشحيحة !
و تؤلمني القسوة التي أتيقن بها أنك حدث تافه لا يغري خبثي حتى . لست قَضية ً مغرية يا رفيقي ، الآن و أنا أتذكر السبب الذي جعلني أكرهك إلى هذا الحد . حديثك معها ! جعلني أشمئز منك و من نفسي التي رأت فيك حبا
و أنا مَثَلٌ لهن ، لا مِثلهُن .

وعد Where stories live. Discover now