7

19 4 0
                                    

لقد عشت طيلة حياتي و أنا أشعر أنني أجترح إثما ، إثما في كوني من أنا عليه ، إثما في تفكيري بالطريقة التي تخالف الجماعة حولي ، إثما في امتلاكي هته الرغبة الصاخبة للعيش لأجل راحتي فحسب ، المرطبان تحت سريري ، صندوق في بطن صندوق هي كتاباتي ، أهرع إليها متعجبة من رجفة يداي و الزمن يمر علي سنين عجافا . ترتجف دون توقف ، ترتجف في كل حين ، ترتجف يداي في ريعان شبابي !
و يكتنفني الصمت ،
دهشة ، حيرة ، ألما و ظلما ،
يكتنفني الصمت كخرساء عندما أتوجع ،
أتوجع لأنني أحبك و أكرهك يا مرارة أيامي
قالوا لي جميعا : ستكبرين و تنسين
لكنني كبرت و نسيت أن أنسى
ليتني كنت امرأة عادية ، ترضيني كلمة فلتغفري ، ليتني لم أقرأ كتبا قتلت تشابهي بالآخرين و أنمت في دواخلي زوبعة عاصفة لم أعد أمتلك سيطرة عليها ، ليتني لم أكتب يوما بهته الواقعية المحضة ، ليتني لم أتعلم التلاعب بالكلمات ، و ليت الكلمات لم تعبئني لهته الدرجة ...
ليتني تركت بعض القدرة على تطويعي ، فالجنوح بهته الطريقة يقلقني
ليتني عشت ككل فتاة أنتظر يوم زفافي
أحلم بقصة حب و بحضن رجل
ليتني رأيت فيك قصة حب تجعلني أسكت
لكنني لا أسكت !
تتكور الكلمات في حلقي و الأفكار على لساني و أخيف الجميع ،
أقربين و أبعدين
سيحاربونني جميعهم في النهاية
سيحاربني العرب لأنني امرأة و سيحاربني الغرب لأنني عربية
أطهو حيرتي على نار هادئة
كيف أشبه البقية ؟ أحاول فقط أن أتسائل كيف أكن و أستكين و أغلق جناحاي العظيمان و أربض ؟! كيف ألغي اختلافي ؟ و أشبههم ؟!
تقرع أنت بابي ، ترتجف على العتبة ، أطل من ثقب الباب و أراك ... أنفصم و تبكيني أنت ، أقسو و تترجاني أنت ، أتحير و تصر أنت ...
تعدني البقاء ، تغيِّر نفسك ، تبدّل جلدك ، تخفض صوتك ، تمحي شخصك ... ألحظ أنا يا حبيبي لا تظنني لا ألحظ ! ألحظك و أراك و أفهمك لكن ناري لا تشتعل . تشتعل لتحرقني أنا لا لتعيدك أنت !
تريدني بحمى
لعلي أفتح ...
لكنني لا أفتح ...
يلوك فمك لساني كقطعة من الحلوى ... و أبتعد .
تركض نحوي و أبتعد ... تنتظرني و أهرب ... تنطق اسمي بكل حب و بكل ضعف و أبكي أنا على الجهة الأخرى من الباب لأنني و رغم كل شيء ، أحبك يا فتى الأباطرة ، يا من أتيتني من قصص الجدات و من تمتمات تعاويذ المستحيل . لن أكتب لك دواوين الحب ! لن أرقص على أنغام الحنين إليك لأنني أكره حبك ! و أكره شعور الراحة في ذكراك ... و إن بدت لي اليوم بعيدة و داكنة و فواحة بالقلق .
لا أدري أين أسير اليوم مبتعدة عنك بعد أن أتيتك برغبتي ، سأسير فقط خلف أحلامي ... على جادة الصدق ، أو بالأحرى ما أظنه أنا صحيحا ؛ تساءلت دوما حول إذا ما كان ما نظنه نحن صادقا و حقيقا ، صادقا و حقيقيا فعلا ، تساءلت عن مبادئي و قيمي التي أمشي عليها إذا ما كانت تستحق مني كل التضحيات ؟ و إذا ما وضعتها في عين الآخر هل كان سيتقبلها ؟
أحفظ نصا فرنسيا من أحد الكتب التي قرأتها يقول أن مبادئنا تبدو كقلعة من أوراق اللعب ... و الأمر كله يتوقف على الثبات و التوازن ، يجب تبنى القواعد بكل كمال متناسق و متجانس ؛ خطأ واحد ، على صغره كفيل بتدمير كل شيء ... خطأ بسيط واحد يجعل من حياتك ركاما ، قلعة أوراق اللعب ستنهار مخلفة خرابا و أطلالا من الحنين و الندم و سيكون عليك بناء كل شيء من جديد ...
كررت هذا النص دائما في حياتي ، كررته على مسامعي في كل مرة أرى فيها أناسا بدون روح ، و في كل مرة أرى فيها كبارا يفضفضون إلي مطولا ثم يتسائلون : هل كل هذا يستحق هذا العناء ؟ هل أمضيت كل حياتي أحارب لأجل شيء خاطئ ؟
أخشى جدا أن أصل لهته المرحلة من حياتي ، أن أتوقف عن الركض لأكتشف أنني لا أركض إلى وجهة محددة و أنني ضحيت و تركت على حواف الطريق جوهر الأمر .
"ستدرك و أرجو ألا يكون ذلك متأخرا أن المتعة كانت تكمن في الطريق و ليست في الوصول "
أذكر إحدى روايات دان براون " شيفرة دافنشي " عندما تسائلت الشخصيات لماذا لم يُكشف السر الحقيقي خلف الديانة النصرانية إلى حد اليوم ، شدّني المقطع من الكتاب ... حتى كتبته و احتفظت به كان يقول :
"و لكن ماذا عن بقية العالم ؟ ماذا عن أولئك الذين لم ينعموا يوما بالإيمان المطلق ؟ و أولئك الذين يرون فضائح هذا العالم و يتسائلون أين الرب في هذا الزمان ؟
مالذي سيحدث لكل هؤلاء عندما يعلمون أن أعظم قصة رويت ما هي في الحقيقة إلا أعظم كذبة لُفِقَت ؟ "
علمني هذا النص على بساطته و سطحيته أنني يجب أن أنعم بالإيمان المطلق ! يجب أن أجعل من مبادئي و قيمي على صغر سني مبادئ و قيم صحيحة حتى لا أفقد نفسي لاحقا و لا أفقد الطريق . و اليوم و أنا أريد المشي بعيدا عنك أتساءل في صمت يثير الذعر بين أضلعي حول إذا ما كان الأمر يستحق فعلا كل هذا الألم .
أراك يا حبيبي ، أرى تربيتك الأسرية خلف كل أقوالك و أفعالك ... و أفهم أن مبادئك و قيمك أنت حقيقية و صحيحة و بسيطة و واضحة لا تجعل منك تعيش شتاتي و ضياعي و تناقضاتي ؛ هناك كتاب كنت قد قرأته الصيف الفارط ، يسمى "بابت" لسكنلير لويس . تدور قصة الكتاب حول واقع معيشي محض رأيته بأم عيني وسط دائرة أقاربي ... و عندما فرغت من الكتاب بدت لي معيشتنا على حقارتها تبدو كلعبة ملفقة بائسة و مضحكة لمن يراها من بعيد . بدت لي عائلتك بعد أحاديثنا المطولة تشبه لدرجة كبيرة عائلة بابت ؛ تحدث جلبة هائلة في نمط معيشتها لكنها تبدو لمن يعرف مكمن جوهر الأمر ، كمحط سخرية بائس و حقير ... تسائلت حول إذا ما كانت عائلتي انا كذلك تشبه عائلة بابت
لعلها لم تكن .
لعلها كانت و أنا لم أدرك ذلك .
قررت بعد تمعن و مقارنات طويلة أن الله ما أنزل لنا القرآن إلا ضياء و نورا و هدى ، رأيته بأم عيني النور الوحيد وسط ظلمة و تلوث العالم حولنا ... العالم الذي لن ألوم فيه الجلاّد و لا الضحية و لا الحاكم و لا المحكوم .
ثبتنا على طريقك يا ولينا
و اجعل الدين مبلغ أمرنا .

وعد حيث تعيش القصص. اكتشف الآن