11

9 3 0
                                    

في دياجي الليل أذكرك ، في ندى الصباحات أحييك و بين الإثنين يسكنني صديقك بصخب يؤلمني .
من الطابق الأرضي ، أطل على العتمة في قسوتي ، و الألم في جلستك ، من يمين العمر أنظر ببرود إلى الحنين على يساره ، بعيدان نحن ... قريبان نحن ... تبكي أنت فيبتل قلبي .
تشحّ عليّ الكلمات و أنا أريد أن أشرح ما يحدث ، ككعب حذاء راقصة انكسر على خشبة الرقص فجأة ، كتهشم كأس الماء بعد عطش طويل ، كانقطاع خيط القيثار عند نوتة التشنج ... تغريني العتمة ، عتمة الوضع ، وضع الألم ، ألم الخيانة ، خيانة الحبيب ، حبيب الروح ، روح الوحدة ، وحدة الحرية ، حرية الفتاة ، فتاة الشمس على درب التمايل و الغنج . يهلكني صداع رأسي ! كشيء من الأمل ينبت على جدار الوهن أسلّي نفسي بجدل من أفكار تستعصي شاكلتها على فهمي . فهمي الذي ينبثق صوته فجأة من أعماقي سائلا ببرود يجمّد أطرافي : كيف ستتعايشين مع الخيبة التي خلفتي في نفس الفتى ؟
أردت أن أتلمس الظلام ، بطرف سبابتي في سطوع النور ، أردت أن أتذوق و لو لمرة أن أكون الطرف الشرير في القصة ، و لكم هو أمر ينهشني من الداخل ! تقول معظم الفلسفات أن الطريق للسلام الداخلي هو التصالح مع ذاتك ، أردت أن أتصالح مع ذاتي بإرخاء قبضتي عليك لأنك كنت تيارا مضادا لقناعاتي ، ثم أردت أن أتصالح معها بمساعدتك على الشفاء مني ، و الآن فوضى الأمر تحدث فوضى أعظم في روحي .
أتساءل و أنا أرى الناس حولي تجاهد لتنهشني كالكلاب الضارية حول تصرفك معي . 17 مكالمة فائتة ، و في الثامنة عشر كنت أرد بتماطل فتجيب بلهفة المشتاق و أندهش أنا ... كانت طريقتك في احتوائي هي سبب حبي لك ، احتواء تعرفت عليه معك ، عندما لا تبتعد عني مشتعلا بالحقد و الحنق . كنت لا تتفاداني و أنا حالكة السواد بل كنت تصر بقوة ، على عكس أمي و استعدادها الدائم للتغاضي عن الأشياء التي تؤذيني ، كنت تنتقي كلماتك بحذر عند شجاري ، عكس أمي التي كانت تلقي في وجهي فجأة كل أخطائي السابقة و كل أسراري الداكنة . كان تصرفها معي يجعلني أبتعد عنها أياما طويلة حتى أتشافى دون أن تفهم أو تدري أنني حساسة لدرجة تجعلني أنغلق على نفسي في قوقعة مغلقة قبل أن أتفتح من جديد . سئلتها ذات يوم ، سألتها لِما كانت تنفلت من جلدها نادرا معي و حين تفعل ذلك تدمر ثقتي فيها ، أذكر أنها ضحكت و قالت أنني عليّ أن أواجه الحياة . أذكر الآن قولك : لكنكِ بريئة .
معك أنت لم أشعر بالتعب من الحياة ، معك أنت في قلبي أو في ذاكرتي كنت أستقيظ كل صباح راغبة في العيش ، كنت أحارب العالم و أحتضنه و أعيشه ضاربة في أعماقه بروح الشباب داخلي متأججة و مضطرمة ؛ لكن الشيء الذي كان يثير فضولي هو أنني كنت أشعر بصديقك ، أحس به و أقرؤه بسهولة بالغة ، كنت أفكر فيه فيرن الهاتف باسمه ، فألتقيه صدفة ... كنا متصلان ، بطريقة أو بأخرى . حتى و لو كان الأمر يؤلمك .
أخبرني أنك كنت تعلم بأمرنا ، نظرت إلى عينيه بغضب و سألته هامسة عن السبب الذي جعلكما تتكلمان عني . قال أن هاتفه كان بجانبك فوصلته رسالة مني ، قرأتها أنت . و قال أيضا أنك أخبرته أنني كنت حبيبتك ... و نفيت أنا الأمر ، و قلت له بأننا كنا فقط أصدقاء بيننا شحنة مشاعر . و لم أكذبه أنا ! لأنك لم تصارحني مباشرة "أنا أحبك" ثم اتصلت عليك برعونة و قسوة المرأة المتحررة و أخبرتك أنني أريد صديقك . لكن الذي لم تفهمه أنت في القصة أنني قلت لك أنني أريده صديقك الملعون و لم أقل أحبه . قلت أنني أريده لأنه رجل تتمناه كل النساء ، و كانت هته الجملة بالذات محور شجاراتنا المشتعلة في كل مرة أنا و هو .
أتدري أمرا ؟ كان عنصري أنا نارا ، و الظاهر أن صديقك كان نارا كذلك . كنت أفهمه و كان يفهمني دون أن نتكلم ، و كأننا متصلان في بعد آخر غير حسي . أما أنت ... كان أمرا آخرا ، كنت ريحا ! و الريح تلهب النار ، كانت المشاعر بيننا سلسة و ممتعة و مليئة بالمفاجئات . تقول الأسطورة :
" يولّد اليانغ عند تصاعده طبيعة الريح و الهواء و عند بلوغه الذروة يولّد طبيعة النار ، و عنصر الحرارة " . تندرج هته المعتقدات ضمن فلسفة صينية قديمة جدا ، تضمن التناغم و الاستقرار في الفضاء و هي فلسفة " الفينج شوي " و يستعملها الكثير من الناس لترتيب أثاث بيوتهم قياما على فكرة انبعاث الطاقة و امتصاصها ، و اعتُمِدَت لقرون طويلة كقاعدة في علوم الطب و الفلسفة . يعتقد المسلمون أن هذا النوع من الخرافات دجل و تنجيم محرّم شرعا ، و أنا لا أريد أن أتجاوز حدود الله وضعها ليحمينا نحن عباده ، لكنني أؤمن و أنا أتلمس هته الأشياء حقيقية و قوية . و أجزم أن الله خلق ما لا نعرف و ما لا نرى .
" و ما أوتيتم من العلم إلا قليلا "
لأننا نعتقد برؤيتنا البشرية الضيقة أن ما هو حقيقي ليس إلا ما هو موجود ، فكيف و من غيره تعالى ربا خالقا واحدا و ملائكته عبيدا سجّدا ، لا نؤمن بما لا تراه أعيننا ؟! لطالما رأيت أن الإنسان كائن ضعيف و متناه في الصغر أمام أشياء أعظم و حقائق أكبر خلقها الله تعالى ، لطالما رأيت أن الإنسان نقطة متناهية في الصغر ، و أن خلق الله حولنا لوحة لا يتطاول خيالنا البشري الضخم و المحدود ليتخيلها .







وعد حيث تعيش القصص. اكتشف الآن