13

5 3 0
                                    

أستشعرك ، في كل مكان حولي ، تعبق الأجواء برائحة تعبك البعيد ، تتراقص عيناك المكسورتان في كل مكان حولي ، تبتل وجنتاي ببلل أعلم أن حزك هو الذي نثره علي . أحسك ، أشعر بك ، تمشي في عروقي ، تتغلغل في فراغات عظامي ، تحتضنني و كأنك تحاول أن تختبأ داخلي .
أنا حزينة ... لكنني أعلم أن هذا ليس حزني بل هو حزنك ، لوعة روحك تتغلغل إلي من خلف أسوار البعد ، و أبواب الفراق المهيبة ، كخيط دخان ببطء و ثبات .
يعصرني ألم ليس ألمي ، يعصرني ألمك ...
هل تعلم كيف أستطيع الإحساس بك ؟ لأنني أحببتك بصدق ، لأنني كنت لك السند و الكتف و رائحة الأخت الغائبة . و الآن و كأنك قطعة مني ، استأصلتها جراحة غير ناجحة و أبعدها الأطباء على طاولة غضب مزيفة . أما عني فنزيفي لم يتوقف و دمائي لم تتخثر ، أما عنك فقد ضمُرت في البعد عن كلك .
أشعر بصبرك ، بأن شوقك إلي لا يحتمل ، بأن تحاول أن تدفنه تحت تراب النسيان . تراب النسيان أرض جرداء ألم يخبرك أحد ؟
أشعر بك تبتعد عني ، لكن حزنك أكبر من أن تحتمله وحدك ، فيهرب منك إلي . و كأنه يترجانا أن نعود معا .
أخبره ان يرحل !
لا ، لا تفعل ! لا أزال أريد خيطا يربطني بك ، خيط حزنك ، حزنك الذي يدفعك نحو صدري .
لم أعد أستطيع أن أعدّ كم مرة تهزمني الدموع ، عندما أقرأ نصا مؤلما ، عندما أسمع أغنية نوتاتها من بلاد الأرق ، أو تسقط سهوا في أذني كلمة قُدّت حروفها من ألم ... أشعر بك ، و أعلم أنه لا أحد سيفهم هذا الشعور ، هته القناعة بأن الحزن الذي يحيطني ليس حزني ... هو حزن شخص آخر ، قطعة ثانية مني .
مؤخرا باتت تفجعني الظلال ، و الحركات الجافة ، و أناملك تسبح في ذقنك تداعب شعيراتك السوداء ، تفجعني النظرات القاسية ، و الأحكام المسهبة ، و في كثير من الأحيان ، الأصوات الباردة ... و منظر عينيك من بعيد مسلطتان عني بشكل يثير ريبتي ، أنا فتاة مرتعشة و إن أظهر لك ثباتي العكس ، فتاة خائفة و إن أقنعتك بالعكس ، فتاة أسقطتك أنت ثم صديقك و رحلت لتبكي على أطلالك حبرا مُذابا في ورق . قرأت في كتاب فن قراءة الدماغ أن الإلتحام و التكامل الكلي بين العقل الباطن و العقل الواعي ينتهي بخروج المشاعر إلى أرض الواقع و إمكانية السيطرة عليها و فهمها أو تأويلها ، فتذكرت فجأة الكُتّاب ، قدرتنا الرهيبة و المذهلة على ربط المشاعر بالواقع و على ربط الحسي بالعقلي و خاصة التمكن من إصطياد الأفكار التي تقفز في وعينا و تحليلها دون أن تهرب منا في أغلبية الأحيان هو نوع من أنواع الذكاء المرتفع ، أتذكر الآن أن أسوء مشاعر قد تنتابني هي تلك عندما تضيع الأفكار من عقلي دون أن أدوّنها لأناقشها مع نفسي و أفتح فيها جدلا أكون فيه أنا الطرفين و يكون لي فيه قول الفصل
"آتني فصل الخطاب يا الله "
تفتخر بي عائلتي و ترى في عيني سعيا نحو شيء عظيم لا أستطيع أن أراه أنا ، ربما لو تمكنت من ترويض عقلي الباطن و رؤية عيني بعينين جديدتين لفهمت أين يكمن موطن قوتي لأضغط عليه ، لكنني لا أعلم ! لا أعلم أين السر
" آتني المعرفة يا الله ، معرفة الحقيقة ، حقيقة الحكمة ، حكمة الوجود ، وجود الخلق ، خلق الرحمان !"
أتذكر مقطعا شعريا لِلانج لييف تقول :
" بينما تجلسين هناك وحيدة متألمة
أتمنى لو أستطيع وضع قلم في يدك
لأذكِرك بلطف كيف أن الكون منحك شعرا
و الآن عليك إعادته إليه "
لأول مرة قرأت النص صدفة على الفيسبوك كان من ترجمة ضي رحمي ، تفاجئت أنني فقدت تركيزي مع العالم الخارجي و أنا أعيد كتابة الكلمات ، أحسست أنها موجهة إليّ ، أنا بالخصوص ، أن النص عبر بلدانا و أرضيات رقمية و لغات عدة حتى تقع عليه عيناي : الكون منحك شعرا !
شعرا عذبا و مسترسلا ، هبة ربانية أزلية ، و كما تقول الكلمة الإنجليزية العميقة : بركة Bless
أصبحت أعاني مؤخرا ، و لا أدري حقا إن كنت أستطيع تسميتها معاناة ، أصبحت أعاني من فقدان الاتصال المفاجئ مع العالم الخارجي ، خاصة إن أزعجتني بعض المواقف أو بعض الأحاديث مع بعض الأشخاص ، تعلمت قدرة الإنفصال بذهني و الغرق في أفكاري ، حتى لو كان الآخر يتكلم في أذني ، يغشى على عيناي فجأة ستار من اللامبالاة يجعلني قادرة على حرق العالم ، و التخلي فجأة عن كل عزيز ... كما تخليت عنك أنت و عن صديقك بعدك . و الغريب في الأمر أنني أستطيع التحكم بسهولة في هته الحالة ، أن أفصل و أن أعود وقتما أردت ، كيفما أردت ، أتذكر و هذا يحدث لي خاتمة لكتاب قرأته منذ مدة طويلة جدا لبيثنة العيسى "كبرت و نسيت أن أنسى" عندما تستطيع البطلة أن تنفصل بذهنها بكل سهولة عن زوجها و هو يتكلم و يتكلم ... أذكر أنه سئلها ذات يوم :
"هل تعنين أنك سعيدة لأنك تكتبين عن رأس الغزالة المثبت إلى الحائط بمسامير تئن من فرط العبء و هكذا أمور ؟"
كانت كلماتها تملك سحرا يجعلني أنهي كتبها في نفس اليوم الذي أقرؤها فيها ثم أعيد قراءة المقاطع التي وقعت في حبها ، و أذكر حتى أنني كنت أحفظ ببعضها من فرط ما تشدني طريقتها في الكتابة . أذكر أنها كانت تقول أنها تحرر الكلمة من قيد الجملة و المعنى الذي حصرت فيه و تمنحها عوالم أخرى لتعيش ... لِذا أعتقد أنها كاتبتي المفضلة من حيث جودة اللغة ، لا دقة الوصف أو قوة الأفكار لكن من حيث اللغة !
اليوم أُسخِّر لغتي لأكتب عن حزننا أنا و أنت ، و عن توقفي المفاجئ و العشوائي عن خيانتك مع صديقك .
اليوم أكتب أنني حقا ، لم أعد أهتم لا بك و لا به !

وعد حيث تعيش القصص. اكتشف الآن