14

4 3 0
                                    

إنقطعت فجأة عني أخبارك . و كوردة باردة في الليل بكيت انقطاع الشعور بك ، و الحلم بقتلك ، و الرؤى التي تساورني لشقائك ...
أتعب ...
تتعب عيناي ...
و أنا أبحث عنك في كل الطرقات ، صوتا تبدد في البعد ، و حبا تبلّد من البعد ، و شوقا تجمد من البعد .
أين أنت ؟ تجترني روائح الحنين إلى الأزقة فلا أجدك ! أين انت ؟ و فتاتك تبكيك على جدار الأحياء دفن تحته حب لم ينبض .
أين أنت ؟ أبحث عنك في أصواتهم ، في أفعالهم و في مشاعرهم ..
أين أنت ؟ أبحث عنك و صديقك يركض نحوي ملتهفا ، أذكرك تركض نحوي تحت المطر فيبللني الحنين إلى عينيك .
أبحث عنك و الهاتف يرن دون هوادة ، تنادي ذكراك عقلي قبل قلبي .
أبحث عنك و الآخرون ينظرون إلي باندهاش ، و الرغبة فيك تشعلني قلقا
أين أنت ؟ و عينيّ تبحثان عن مرآة روحك .
كنت جرحا ، لم تكن وشما ...
و اندملت
و احتفظت أنا بالندوب .
لا أريده ! تراه أنت العالم يركض خلفي
لا أريده ! لا أزال الفتاة المرتعشة التي تعرّت لك بكل براءة
غياهب الحنين أفقد فيها بهجتي .
تجترني الطرقات ، و نصف قمر يتدلى .
لأنني فتاة لا تكبر ، فجأة أريد عناقك ! أين أنت ؟ البحث عنك يضنيني ، إغفر ما فعلته لك ، و إن غلظت عليك .
أحلامي تبوح لي أنني أوجعتك ، فوق ما أردت ، رغما عني ، ضد رغبتي ،
لكنني لا أزال أريدك ، فأرجوك لا تفجعني بفقدك !
يهلكني التفكير المفرط ، من ديسمبر إلى ديسمبر ، أين تنتهي كل الأحلام ، يهلكني ، يدخلني إلى بيوت القلق ، ألف فكرة و فكرة ، تمطرني ذاكرتي بالذكريات ، تصرخ آلاف الكلمات في رأسي حتى تشعرني بالتخمة ، ذهني يركض بجموح ، منذ أن تلامس أطراف أقدامي الأرض في جوف الليل ،و أنا أغسل وجهي ، و أنا أردد آيات الذكر الحكيم على سجادتي ، ألف فكرة و فكرة ، و أنا أرتدي ملابسي  و آخذ فطوري ، و أدفع نفسي نحو يوم جديد 
أيامي الملئى على اكتظاظها ، لا تستطيع إخفاء الفراغ المكتظ الذي يسكنني ، يقبض على أطراف ملابسي و قدماي ، تنبت له يدان تنهشان كل جسدي .
أعجب اليوم كيف نرحل عن أحبابنا و قلوبنا متعلقة بهم ، و كيف نحتمل الشعور المرير بالفراغ الذي يجتاحنا في غيابهم ، أتذكر مقتطفا من كتاب قصتي لمحمد بن راشد آل مكتوم ، يقول فيه أنه عندما يرحلون ينطفئ شيء ما في حياتنا و في بيوتنا ، عندما يرحلون تتغير ملامح الطرق و البيوت و الوجوه ، حتى الطعام يتغير لونه ، عندما يرحلون يرحل شيء مِنّا معهم . و في كل مرة أعيد قراءة هذا المقتطف من كتابه أفكر أننا لسنا سوى مجموعة من الأشياء التي نهواها و الأشخاص الذين نحبهم ، في غياب قوة الرب العاصمة و العظمى ، فوجودنا مرتبط بأولئك الذين نحبهم ، و في كل مرة نفقد فيها أحدهم ، أو نرى فيها حلما يتحطم ، يموت شيء مِنا ، حتى لا يبقى لنا شيء في النهاية سوى فراغ مميت .
أنا لم أتجاهلك و لم أرحل عنك سوى لكي أعفيك ... من الأسئلة التي لا أجوبة لها و من الأخطاء التي لا أعذار لها ، أردت أن أعفيك من غيابي المحتوم الذي لا كفّارة له ، لأنني امرأة لها حياتها التي بنتها ذراعا على ساق ، لي وقتي و لي أحبتي و أصدقائي و هواياتي و لي أحلام أركض خلفها دون هوادة و لا استكانة ، بقائي بقربك كان بإمكانه أن يحرمني كل هذا ! و أحلامي أثمن من أن أساومها في مزاد عشقك رجلا ضعيفا مرتعشا .. هناك أغنية فرنسية لا أذكر إن أرسلتها لك أم لا ، اعتدت أن أضعها في سيارة أبي عندما يعود بي إلى المنزل في جوف الليل و لكم كانت على مقدار الألم الذي تحتويه تريحني ، أفضل مقطع منها كان يقول : آسف أنا مكتمل لا أثق إلا بنصفي . إسم الأغنية Capo لAlenzo ... عجبا كيف غنى الرجل أغنية كتبت عنها فتاة بعيدة في كتاب ألفَتهُ حفاظا على وعد قطعته .
إنني أحاول أن أسكت شخصية الكاتبة بداخلي و لا أفلح ، تتسرب منها كلمات في لحظات غفلتي تفوح حكمة تزعجني ، أمام أناس لا أرغب أن أبدو أمامهم سابقة عمري بسنوات عديدة ... آخذ دشا باردا فأصبغ الماء بحبر أسود ، أصافحك فأترك على يديك آثار قلم الرصاص ، أحتضنك فيمتلئ جسدك بأوشام من كلمات عجيبة
عندما أرسل لك : أنا أفتقدك ، بلهجتي الجزائرية العميقة و العنيفة ، ترد أنت بعد صمت متفاجئا : أنا أيضا ، و ليتك تعلم أن الإجابة التي على قدر السؤال غبية و خاطئة ! و هذا ما يزعجني حقا ، أنا لست نصف إنسان لست نصف امرأة لترد علي بنصف جواب سطحي و فقير ! أنا لا أجالس أنصاف العشاق و لا أصادق أنصاف الأصدقاء و لا أحاكي أنصاف الأذكياء لأن النصف لا يكفيني ! نصف حياة لا تكفي للعيش و نصف كلمة لا تكفي لإتمام المعنى ، نصف أحبك لا تغريني
و كذلكَ
أنصاف النجاحاتِ
لا تستهويني !
و أنصافُ
قصص الحبِ
مملة !
يقول أحدهم أننا مرضى بشيء لم يعرفه عندما كان في زماننا ، أننا مرضى بأسئلة لا أجوبة لها ، لكن الأسئلة التي دون أجوبة تستهويني لأعيش فيها ، أنا فقط ! دون أن يحشر آخَرٌ أنفه فيها ... لأنني و بالكثير من الصبر دوما أجد أجوبتها ! أجوبة أصادفها فجأة في كتبي ... انتظرت دوما أن يسألني أحدهم لماذا تقرأين ، لكن ذلك لم يحدث ، و أتمنى حقا لو أنه حدث ، لأنني أحمل في جعبتي نصوصا طويلة من الأجوبة المقنعة و العميقة إحداها مثلا كوني أقرأ لأضع حددا لطنين النحلة في أذني ، تلك التي تتخير موقعا لقرصتها القادمة .. أقرأ لكي أتحكم في الكلمة
"الكلمة التي كانت في البدء ، الكلمة التي حولت نطفة العدم إلى كرة  العالم "
أقرأ مثلا ، لأن دفتي الكتاب هو المكان الوحيد في العالم الذي يستطيع فيه وعيك و فكرك أن يتبلور شخصا من لحم و دم ، كاملا و حرا دون عنصرية أو خوف أو قيود ! فأحيانا حتى اللغة وسط الجماعة رمز عنصرية و تفضيل ، أذكر أنني قرأت لأحدهم يوما نصا لبثينة العيسى تقول فيه أنها تحب اللغة الفرنسية و أنها كانت تسر لها كيف للحياة أن تكون مختلفة ، لغة مختلفة تعشقها في أذنك و في فمك ، تضع كلماتها في قلبك و تختبر خفتها ، رفرفتها ، غنجها و قدرتها على الذوبان في لسانك ...
كان النص جميلا بحق ، و أنا اقرؤه اكتشفت أن الفرنسية بغض النظر عن السوابق الاستعمارية لبلدي مع بلدها لغتي المفضلة ! أحبها كلغة و ككلمات و كوقع عذب و رفيع .
أما الشخص الذي قرأت له النص فرفع رأسه نحوي و أبدى استيائه مني و من بثينة العيسى بلكنة قاسية جمدتني .
هناك استأثرت أن أقرء نصوصي لنفسي و فقط
و أحتفظ بما أحبه لنفسي
حتى لا يلوثه الآخرون .

وعد Where stories live. Discover now