16

8 3 0
                                    

"أخشى عيش حياة عادية أكثر مما أخشى الموت هل تدرك ؟!"
سمعت إحدى صديقات أمي و نحن نحتسي الشاي معا تقول في خضم الحديث كلمة شدت دهشتي من ياقتها : " أولادنا مصابون بجنون الأعالي"
تمنيت لو تعيد صياغة الكلمة واضعة عينيها في عيني و أن تقولها لي أنا بصيغة المخاطب لأنني فعلا و لأسفي الشديد مصابة بجنون الأعالي ! و هو أمر مرهق جدا ، لذلك بت أدعو كثيرا
" أن تكون نهاية هذا السعي المتواصل رضا فقط يا الله ، رضا متواصلا "
أتذكرك اليوم بعد مرور عدة أشهر من فراقنا ، و أتذكر أيضا أنك لست سيئا بالحد الذي كنت أتصوره في مخيلتي ، أتذكر لؤمي عندما قررت أن أخونك مع صديقك ، أتذكر أخلاقك و قيمك التي حافظت عليها حتى في لحظات خصامنا ، و الآن أتسائل إذا لم أخطئ في حقك فعلا ؟! و أتسائل عما فعلته من بعدي و إن كنت سامحت و تخطيت أم حقدت و حملت غلا .. لقد حدث ما حدث ، و لا أستطيع تغييره و لن يفيدني ندمي شيئا ، حدث ما حدث و ترك في نفسينا شروخا عظمى ، لكن الحياة تجارب و ليست أقوالا بلهاء و بدون معنى ملموس كتلك التي أكتبها في كتاباتي أو كتلك التي كنت تكررها عليّ كحصص مواعظ مملة كنت أخدعك فتظنني أستمع إليك كأنك تقص عليّ جوامع الكلم ، لكنني في الحقيقة كنت أسخر منك أو أتيه بعيدا عنك في أفكاري ، أفكاري التي لا أظنك تتخيل عمقها لأنني لا أعريها حرة و قوية أمام من لن يفهمها ، أفكاري تلك أحتفظ بها في جعبتني أو على ورقي حتى يحين الموعد المناسب ، الدقيقة المناسبة ، الشخص المناسب ، لذلك لم تعرفني أنت أبدا و إذا لم تقرأ هذا الكتاب فلن تعرفني يوما ، لن تعرفني سوى مظهرا من امرأة حياتها ملئى بأشياء غامضة لا تعرفها أبدا ، لن تعرفني سوى من إسم أحمله و دراسة أزاولها و مهنة أقوم بها ... لعلي تركتك لهذا السبب ، كان يكفيك القليل جدا مني ، لم تكن تريد أن أروي لك القصة خلف ما أصنع و خلف ما أنا عليه ، لم تكن تريد فعلا أن تعرف سر نجاحي مثلا ،  أو بلدي المفضل ، الشمعة التي صنعتها بأي حافز كانت صفراء اللون و القلادة التي كانت دوما حول عنقي كيف اختفت فجأة ! لم تسألني يوما عن ماض لم أروِه و عن كلمات قيلت لي فلم أتخطها ، عن الموتى الذين أبكيهم في لحظات غريبة ، عن مزاجي كان دائما مبتهجا ثم تحولت لكرة من الغضب فجأة ، كان كل شيء يمر تحت عينيك عاديا ، دون أن تقرأ التفاصيل أو تشفير السطور ، كنت دوما غير مبال بكل شيء سوى حضوري معك جسدا جميلا كدمية تعرض جمالها على أصدقائك ، دون أن تدري ، كنت تفتخر بي عندما يغمز أصدقائك أو يصرخون و أنا معك و كم كان أمرا يزعجني ، أتذكر كتاب "عقدك النفسية سجنك الأبدي" وأشمئز منك شخصية مليئة بالعقد .
هناك أمر لم أقله لك يوما : إنني يا عزيزي أملك قدرة رهيبة في كشف الكذب ، من نبرة الصوت و ارتجاف الأعين ، أعرف الكاذب و أعرفك تكذب عني لتكسب إعجابي و أنا لا أُعجَب بشخصية أستطيع تحليلها من النظرة الأولى و التحكم بها ، أخبرت أمي البارحة أنني صعبة جدا ، و أنه من الصعب علي أن أجد رجلا أقوى مني فكرا و شخصا ، رجلا سويا و ناجحا و عاقلا و عبقريا  ...
أحتاج أحدا أحس أنه أكبر مني حتى أستطيع البقاء معه طويلا ، على الأقل ... حتى لا أوضب رحالي في اليوم التالي ... إن قدرتي على قراءة شخصيتك و التعرف على كذبك يثير برودي المفاجئ نحوك . لا أعلم حقا بأي عقل أحببتك ، أم أنني تمسكت بك تلك المدة القصيرة بغريزة الأنثى التي أفاقت داخلي .. و اليوم أشتم رائحة سجائرك في كل مكان حولي ندية و رطبة أخلق التساؤلات حول كل ما يحيطني.
تقول أنت :
لا أستطيع أن أنسى رائحتكٍ العالقة بملابسي ، و لم أستطع أن أنظف بدلتي الرياضية السوداء من ريش قميصك الأزرق المتطاير ، تقول لي أمي أي قطة هي التي اِحتكت بك ؟ و أبتسم أنا متذكرا امرأة تعتذر لي بخجل يذيبني
لا أعلم حقا إن كانت أغاني الحب الملتصقة برأسكِ و على أطراف شفتيكِ تحمل ذكراي أنا أو ذكرى آخر لم تذكريه لي يوما
أتسائل إذا ما كنت تريدينني للعمر كما أريدك أنا ، أخبرتك بذلك ذات يوم فضحكتِ مني بسخرية ،   سخرتِ مني لأنني أردتك لي زوجة و شريكة عمر ، لكن علاقتنا في رأسك كانت مجرد علاقة عابرة ، كنتِ متيقنة أنها لن تدوم .. و عاجلا قطعتِها بكل ما أوتيتِ من جفاء و أنا على الطرف الآخر أشدكِ نحوي بكل قوتي . أنا ضائع عندما لا تكونين بجانبي ، ضائع فكرا و جسدا ، وددتك أن تريني يوم اتصلتِ و قلتي أنك تريدين صديقي و لا تريدينني أنا ، لا أستطيع أن أشرح لكِ مالذي حدث لي ذلك اليوم ... ذاك الألم الذي دمرني لن أكون قادرا على تخطيه طيلة عمري ، كان الأمر أشبه بطعنة خنجر ، تذكرت قيصر يوليوس عندما قال "حتى أنت يا بروتروس ؟!" ، تعاطيت يومها كميات كبيرة من البودرة البيضاء ، ضللت أضاعف الكمية ، لعلي أنسى ، لعلي أرحل عن رشدي ، لعلي أخفف من وطئة الدمار على صدري ، عدت إلى البيت مترنحا و غائبا ، كان أول يوم أدخل فيه إلى البيت غير صاحٍ من أول يوم عرفتكِ فيه ، لطمت أمي وجهها ، و كانت الضربة في قلبي أقوى من ان أتحملها ... "

وعد حيث تعيش القصص. اكتشف الآن