10

13 3 0
                                    

"اليوم..
سأكتب عن غصات القلوب
عن ذاك الألم اللا متناهي
عن الحزن الذي يظل متأججًا
مهما علا فوق وجهه الرماد

وعن كلمة وداع تدمي روحًا
ونظرة جارحة من حبيب
عن كلمة قيلت
لم يعطها الأحبة وزنها؛
فسقطت في نفوس الأصفياء كشهاب ثاقب

عن العجز الذي..
يستعيذ منه أصحاب الهمم،
وعن قلة الحيلة التي تسود الأمم
عن حُرة أكل من لحمها الخنازير
وبال على زيتونها الكلاب

سأكتب عني.. وعنك..
وعن كل غصة في قلب مرارتها تزيد"

اليوم سأكتب عن القسوة التي حملت بها سماعة الهاتف و سمعت صوت أنفاسك على الطرف الآخر و ربما حتى قرع طبول قلبك . القسوة التي قلت بها لك أنني أريد صديقك و لا أريدك أنت ، و الدمعة التي انحدرت على خدك و خدي ، و همسك بأنك ستجلس أو ستسقط ، و انكماش قلبي لنفاقي . نفاقي الذي يجعلني أبكي و أنا أقول لك أنني متأكدة بصوت ثابت . الذي يجعلك تسألني بكل صدق إن كنت متأكدة ، أو إن كنت جعلتُ منك لعبة بين يداي .
و قلت أنا نعم ، بحزم ، بجفاء ، بكره .
قررت أن أقطع كل أمل تبقى في قلبك بعودتي ، أردتك أن تنكسر فتكرهني ، فتشتمني ، فتنسى ريحي و رائحتي و أحاديثي و ملمس جلدي على جلدك ، و انحنائات خصري بين يديك ، أردت أن أكسر كل مل تبقى بيننا ... بداية بثقتك في إخلاصي .
و هكذا اتخذتُ من صديقك المقرب ذريعة تمحي من ذكراك ما قطعناه معا ، التعب أيام الضغط و القلق بعد التعب ... المشاوير الطويلة و كل منا يستند على الآخر رفقة و سندا ، أردت أن أمحي نفسي من حياتك فتنساني ، تنسى أحاديث أصدقائك عندما رؤوني لأول مرة ، تنسى التعليقات التي تجعلك تبتسم في كل مرة يروننا معا ، أردتك أن تنسى كل تلك الأخطاء التي دفعني الضعف لاقترافها فتنساني ! أردتك ألا تذكر اتصال أعيننا ، و الابتسامة بيننا ، لقائاتنا على عتبات اللهفة ، الآلام التي نفضفض بها لبعضنا ، أحاديث الهاتف الطويلة و المحادثات المملوئة بالبهجة .
عادة يكسر الرجال النساء ، لكن في قصتي كسرتك أنا ... خوفا من أن تهاجمني كل هته الذكريات بعد رحيلك فأبكي عليها كل دموع جسدي . بضعف الأنثى داخلي أردت أن أكسر ذكرى الرجل داخلك .
أن تنساني كما قررت أنا نسيانك .
لكن يا رفيق قلبي ، حزنك الذي مِنِّي أرجوك لا تبكيه على كتف أخرى ! و دمعك الثقيل الذي خلّفتُه إن أثقلك فلا ترِح حِملك على أخرى ! لأنني أردتك أنت دوما ... و رغبتي فيك تجعلني أخرّب كل شيء . أنا فقط أردت النجاة ، و أردت أن أنجيك أنت حتى أستطيع أنا النجاة ... و لكنك لم تقل شيئا جعلني أتأكد من نجاتك ، لم تشتمني و لم تصرخ عليّ و لم تلمني ... أنت فقط ابتلعت خيبتي بصمت و لمّحت أنّك أحببتني .. حبا كان كل زادي في مسغبتي ... حبا قتلتُه بكلتا يداي التي لن أحتمل منظرهما ملوثتان بالدماء لبقية حياتي .
اليوم أريد أن أحترق ، أن أرحل ،
أن أجيء مجددا في شكل نار أخرى
تأكل النار التي تأكلني ..
اليوم اكتشفت أن نظرة عيناي مليئة بالحزن ، عندما نظرت إليهما عاريتين نظيفتين من الماسكارا ... رأيت الحزن قويا و حاضرا في نظرتي ، لا يراه و لا يقرؤه سوى قلة من أحبائي ، أولئك الذين عرفوني فعلا و لكن ليس أنت . أنتَ الذي كسرتك لأحزن عليك دهرا .
أتذكر ما كنت أكتب كلما وقعت ورقة و قلم تحت يداي ؟ كنت أرسم أعينا فارغة بلا نظرة و كنت أكتب بفرنسية لعوب أنني أمتلك قوة قلبي في عيناي ، اليوم بعد أن عرفتك أكتب تحت الأعين التي أرسمها بإنجليزية منغّمة أنني رأيت السحر في عينيك ، قذرا ، حالكا و جميلا ... اليوم أكتبك و أرسمك و أرقص على أنغامك إحياءً لذكراك ، و أنا أشعر بالغضب أحمرا و قويا أسلّطه على صديقك . ذاك الذي ربما .. أوقعني فعلا في شركه .
قال تعالى " ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه " فهل أحبك و أحبه ؟ أم هل أحبك و أكرهك في نفس الوقت ؟ أم أن معنى الآية الكريمة عميق مستعص على فهمنا البشري الوضيع .
ليلة اليوم ، كنت أمشط شعري .. لا أدري كيف انحرفت أفكاري إلى إحدى ذكرياتنا ، يوم حملتني ، و ضممتني إليك ، بكل حنان ... عندما دفنت رأسك في عنقي ، بين خصلات شعري ، يوم شددتني على صدرك و كأنك تريد أن نكون واحدا ، و كأنك ندمت علينا لم نُخلق واحدا ... كنت مريضة جدا حينذاك ضعيفة و متعبة ... و كنت تمسك بي بإحكام و كأنك تخشى عليّ أن أرحل ، و كأنك لم تحتمل رؤيتي أضعف . أتذكر اليوم يا رفيق دربي ؟ أتذكر منظر السماء و انعراجات الطريق ؟ لأنني لا أذكر سوى يديك تحملانني بحنان ، كنت أضحك في البداية بمرح ثم أحسست بحبك ، يتدفق عبرك ، يعبر إليّ ، صادقا و قويا ... يجعلني أعيش الذكرى حية نابضة اليوم بعد مرور كل هذا الوقت .
كتابة كل هذا إليك تجعلني أفكر إذا ما كنت ستقرأ هذا الكتاب و تبتسم ، أم ما إذا كانت ستخبئه بين أغراضك القديمة لتلتقطه ابنتك في إحدى السنوات و تقرأه بلهفة و حب ، حكاية عشق يتأرجح بين الألم و اللذة ، بين الحب و الكره .. ما يهمني هو أنني سأخلّد ذكرانا ، لأنها كانت حقيقية و صادقة لدرجة لا تستحق معها الإندثار و الإنمحاء .
وجدت مؤخرا في خزانة كتب أمي ؛ كتابا ضخما و قديما ، السيرة الذاتية للموسيقار الإيطالي فيفالدي vivaldi ، سأعترف بأنه كان مملا جدا ، لكن الصفحة الأولى منه لم تكن كذلك ، كانت مكتوبة بقلم حبر أسود ، بفرنسية مائلة و خط جميل ، كانت رسالة طويلة و مليئة بمشاعر الصداقة الخالصة التي أهدتها إحدى صديقات جدي إليه . تسائلت و أنا أقرء الرسالة مرارا و تكرارا ، عن السبب الذي وضع ذكرى كهته بين يدي أنا ؟ أنا الحفيدة المعاصرة التي أحييت أُناسا سلفوا بقراءة رسائلهم و كتبهم ؟! ... خلّدت هته الصديقة علاقتها مع جدي عبر هذا الكتاب الذي أهدته له بمناسبة عيد الأضحى تماما كما وقّعت في نهاية الصفحة بقلم حبرها الجميل .
لا أريد أن تخلّد من قصتنا معك ، ذكراي و أنا أقول لك أنني أتركك ، و أختار صديقك .
لا أريد ألا يبقى من حبنا العجيب سوى ذكريات في فضاء الذاكرة ، يحلّلها الوقت حتى لا يبقى منها شيء .
أريد أن أخلّد بين كلماتي إليك حبا حرا . و أبديا .

وعد حيث تعيش القصص. اكتشف الآن