15

5 3 0
                                    

أحيانا تكفي كلمة واحدة لتشعل فتيل الكتابة لدي ، كلمة بسيطة و عفوية و حرة مثل أسوَد أو قماش أو عتيق ... و تكفي كلمة واحدة كذلك لكي أتذكرك رجلا من نسج الخيال و الواقع ، خارجا من قصص الأباطرة و حكايات الجدات ، كلمة واحدة مثل "صدق"
أكتفي في هته الآونة الأخيرة بمحاربة كبريائي ليلا و مقاتلة ضميري صباحا ، و بين غسق الليل و فجر الصباح لا أفعل شيئا سوى الصراع .
قصيدة دون كلمات
باقة دون ورود
كل شيء في حياتي يبدو في وضعه المناسب إلا أنت ... تبدو خارجا عن الإطار ، تبدو صغيرا جدا لتملئ مكانك ، تبدو غير منسجم مع الكمال الذي أركض نحوه بغثيان مقرف ... و هكذا لا أعلم ما الذي يجدر بي أن أفعل بك .
بعض من عواطفي نحوك مثل نوبات التشنج ، تكون قوية لفترة ثم تتلاشى للأبد .
ابتلاك الله بفتاة مثلي و المزعج في الأمر هو أنك لا تغضب أبدا ! سئلتك ذات يوم لِما لا تغضب ؟ قلت أن رؤيتي و أنا أبتسم لك تبدد كل غضبك و حقدك نحوي ... أزعجني جوابك أكثر من سؤالي ، تذكرت رواية " آنا كارنينا " عندما قالت البطلة أنها تكره زوجها لأنه طاهر و نقي و يسامح .
أكرهك لأنك تسامحني ! لأنني لا أستشعر فعلا غضبك مما فعلته بك ، بل أشعر أنك متيقن في أعماقك أنك تمتلكني .
أنت لا تمتلكني يا عزيزي ! أنا لا أُمتلك ، أنا بنت الحياة ، وليدة النار ، حفيدة الأشجار ، أنا من الثوابت و لله الثبات الأعظم !
أنا لا أحصر في علاقة مع رجل مثلك . بل لعلي لا أحصر حتى ...
أنا ابنة حزن كافكا و خيبات ميلينا ، أنا قصة الحب خانتها ريتا و تركت درويش ، أنا الخطوط الأخيرة لفان جوخ قبل الانتحار ، أنا آخر سمفونية عزفها بيتهوفن ، أنا صورة حواء في الرسومات القديمة و بعض من ليليث تلحقها اللعنة ، أنا الرعشة الأخيرة لغاندي قبل اغتياله ، أنا من همست للكفيف العربي نسج لنا إبداعا ، أنا إبداع مي زيادة ، أفكار آدم سميث و فلسفة ماركس ، أنا ما لفظه على مضض رحم الحدس جنينا لم يكتمل نموه ، أنا أسرار دافنشي و نيوتن ، أنا عبقرية بكيت لأنني لا أمتلكها ، ذكاء مصقول اشتهيته بشدة . أنا كل ما تمنيت بلوغه و لم أستطع فبقيت على ناصية الحلم أحارب خيباتي بسيف الأمل ، سلاحا غير حاد ...
تنزعج أمي دوما من كثرة ما أفعله ، تأمرني برجاء أن أحصر طاقاتي و قدراتي في مجال واحد ، دراستي ربما ، لكنني غير قادرة على فعل ذلك ، يستهويني كل شيء عظيم ، يستهويني الفن بلادا لا تغتال فيها الأحلام ، تستهويني الكتابة شفاء من الامتلاء ، تستهويني القمم ، تستهويني الحياة و الشباب و الخير و الشر و كل ما أقرأ فيه لمسة الشغف و الابداع ، فمثلا ما الذي قد يحضرني لعلاقة معك أنت غير جنوني و رعونتي الحمقاء ؟
أصبر ، أثق أن الله سيحدث بعد ذلك أمرا .
الصبر ، عبادتي الوحيدة ، الألم الذي يبصم جبيني كوصمة نزيف ، كحريق لا يسعني سوى الوقوف بهدوء مفروض علي و مشاهدته و هو يحرقني ...
ضميني أيتها اللغة رحمة !
أرزقيني سينا لأسلو و هاء لأهدأ و طاء لأنطفأ ، أغمريني أيتها اللغة ، فالوجع يطول و الهروب إليك أسهل ، أرزقيني صادا لأصبر
أصبر كما فعلت السيدة مريم .
أرزقيني سماء لأحلق ، فالواقع أضيق ، أمرّ ، أحرق .
أرزقيني فتحة لأصرخ حتى البكم ، حتى الصرع .
أعود إلي الصبر
تتسلل إلي صراصير اللعنة من صدوع الجدران ، تخرج الشياطين المعششة في سواد المرايا ...
صبر لا متناه ، عظيم ، أعرج ، كنفسي .
تماما كنفسي ...
تختنق قصائدي و تموت قبل أن تمزق صرختها شهقة الوجود .
عليّ أو أعتقل قبل أن أنفجر ، أن أسلو قبل أن أخبو ، أن أرتاح قبل أن أرتحل .. قبل أن أتشتت قبل أن أندثر و أنمحي ، بعضا من الهدوء يا نفسي ، شربة أمل قبل التبدد ، لأجل التمدد ، لأجل غرفة ماء تعيد في عروقي حياة تنساب بدون استحياء . أسهر و كأنني أخاف أن تسقط النجوم إلم تثبتها يداي بالمسامير في سقف الليل ، أتساقط قطعا قطعا أرممها في الصباح بابتسامة حزينة
حزينة لدرجة تفطر قلبي .
ينفطر قلبي على نفسي ، على تعبها الذي لا تستحقه ، على هته القوى العظمى التي نضعف أنا و هي أمامها ، القلق الرهيب الذي يحصرني في الزاوية المطلية بدهان الخوف .
أنا خائفة يا عزيزي ! لا تقل "لا تقولي أنك خائفة" لا تذكرني بسامية يوسف ماتت غرقا في النهاية ، بكيت عليها مطولا تلك الفتاة ، وتعلمت من ذلك الكتاب أن أحترم النازحين و أن أكن نحوهم احتراما عظيما ، لأنهم تمكنوا رغم كل شيء من الهرب ...
أرتعش من ضعفي ، أرى بعين قلبي المستقبل المجهول و أتحسسه بطرف أصبع التشكك ، تهدمني ضربات تفكيري الزائد أنا !
يُقال أن الأقوياء لا يخافون من الألم لأنهم عاشوا بالفعل جحيمهم الشخصي ، هل أعيش أنا الآن جحيمي الشخصي ؟ يصقلني لأكون أقوى ؟!
تخمرت الثرثرة طويلا في رأسي حتى بت أشعر بثقلها رهيبا جاثما فوق صدري ، فقررت بكل بساطة أن أكتب لك عن كل الأفكار التي تقبّل رأسي تلك القبلة الفرنسية الرومنسية و الهادئة ...
هذا الكتاب ، ليس فصولا أعترف فيها بحبي لك و إنما فتاة تتعرى لك عقلا و قلبا ، طبقة بعد طبقة ، نفسا بعد نفس ..
أريدك أن تفهم مبكرا أنني لست وجهتك ، و إن كنت أعجبتك ، أبقى فقط شخصا صادفته على الطريق ، و نحن لا نكمل دوما بالضرورة المسير مع الأصدقاء الذين نصادفهم في الطريق يا حبيبي .
أحيانا أشعر أنني أسمع أمك و هي تدعي على سجادة الصلاة أن أبتعد عنك و أن تنسى الملعونة التي ذهبت برشدك
أريد أن ألتقيها و أشدها من ذراعها لتعرفني و أقول لها أنني ابتعدت عنك لأنني شعرت بألمها
و لا شيء أقوى من حدس النساء .

وعد حيث تعيش القصص. اكتشف الآن