19

5 3 0
                                    

أصل إلى أهدافي ،  عونا منه تعالى مجده في علياء سماواته .. و لا تفعل أنت .
أنظر إليك بعين التقبل و أنت تكذب ، و هم يكذبون ، تحاول جاهدا ملئ فجوة الفراغ التي اتسعت بيني و بينك ، لكنني لا أفكر حتى في ذلك ... أستسيغ طعم النجاح تحت لساني ، و أشمئز من مذاق الكذب تُنكِّه به أنفاسك ، ألم أخبرك أنني أمتلك موهبة طبيعية في كشف الحقيقة من الكذب ؟!
أنظر إلى صورك بحذر ، كالزهرة الوحيدة الرقيقة التي تنبت خجولة في صدع الجدار ، أرمي بصري نحوك ، أتحسس فراغ قلبي منك رغم كل ما تبذله من جهد .. أدفعك إلى التكلف .
أنا لا أشارك صوري على مواقع التواصل ، يسكنني كتاب جورج أورويل و الدكتاتورية الخفية للرقمنة الذي أبدع فيه مارك دوغان ، جريمة التفكير ، عبودية التقليد الأعمى ! تسئلني في اتصالاتك المنهمرة عليّ لماذا أغلقت كل حساباتي ، أرد عليك بكل أريحية "راحة بال" ، تتعبني الكلمات الصاخبة ، و الأعين الخفية المترقبة خلف الشاشة المضاءة ، يزعجني الشعور بضرورة تقديم جزء من حياتي لكل أصدقائي حتى يتأكدوا أنني على قيد الحياة و أنني أواكب العصر ... يتساءل أحدهم مالذي حدث لعقل الإنسان حتى أصبح يشغل كاميرا ، يبتعد قليلا ثم يبدأ بالرقص ؟ أتساءل أنا ما الذي حدث لعقولنا حتى أدمنّا نظام صنع التفاهة ...
لم أعد أستطيع الإصغاء إلى ثرثرتك البالية كما عرفتني ، لم أعد أبتسم لكل ما تقوله ، كسرتُ شيئا ما بيننا ، كسرتُ السحر الذي يجذبني نحوك بفضول ، و ذهبت نجاحاتي بجزء من روحي . من ضيائي . من بهجتي . أخبرتني أمي عشية اليوم أن نجاحاتنا هي هوية تعريفنا في المجالس ، كتبت أنا في إحدى رواياتي أن نجاحاتنا ليست شهادة نعلقها في برواز أنيق في مكاتبنا أو غرفنا بل هي الفخر الذي نحمله في صدورنا و الذي يثير الذعر في قلوب أعدائنا ... اليوم لا أعلم حقا أي شعور يفترض أن يخالجني لمّا يحتضنونني و يقولون أنهم فخورون بي ؟
حبك يزعجني .
كيف أخبرك أن ترطنك بالكلمات الفارغة عبثا لن يثير دهشتي ؟
كيف أخبرك أن الغزل الرخيص المرمي في شوارعنا إن كان يثير رجفتي فهو لا ينجح في التغلغل إلى داخلي ؟
كيف أخبرك أنني لا أنبهر و لا أثار و لا أستكين ؟
كيف أخبرك أن بكائك على أذيالي و أن تكرارك بأنني أقودك إلى الجنون عبثا لن يجذبني نحوك ؟
كيف أخبرك أنهم جميعا طلبوا مني الابتعاد لأنهم لا يكفونني كما تفعل أنت ؟
و كيف أخبركم أنني لا أبالي بأي منكم .
كلماتك التي تهمسها لي و أنت ترتجف أفرغها كقهوة باردة في حوض المطبخ . و العنف الذي تلغّم به عباراتك و أنت تقول أنك تريدني لك وحدك لا يثير فيّ شيئا ...
أصدقائي مصابيح مكسورة ، أمي نجمة شاحبة ، أختي قمر غطاه السحاب
و أنتَ ، فراغ رهيب ..
صديق طفولتي كسرته الحياة بعنف حتى ما عاد يستطيع أن يحدثني عما يزعجه . غشاه الرماد و أسرف في الاحتراق ، يشيح بوجهه عندما يراني ، لكنني أرى ... أرى الدمعة التي تختبأ بين مقلتيه تجتاحني رغبة قارسة في احتضانه لكنه يبتعد عني ! قلت له دوما أنني معه ، رسائل الثالثة صباحا و اتصالات منتصف النهار ... عرفني فتاة صغيرة في عمر الرابعة ، عرفني و أنا أبكي و أنهار و أبتهج و أصرخ و عرفني مراهقة مندفعة ثم امرأة ناضجة
و رأيته فتى صغيرا ثم رجلا شهما ... و أسررت دوما له في قلبي منزلة عظيمة . لا لشيء سوى لأنه كان يزعجني عندما يراني حزينة . و يمدحني عندما يراني منطفئة .
كتابتي ما عادت قوتا يملؤ خواء روحي .
و كتبي ما عادت تغريني .
أحيانا أفكر بجدية في التدخين ، أن أحرق ما يزعجني كما أحرق السيجارة بين أصابعي ، أن أستنشق و كأنني أكتم ، ثم أزفر و كأنني أفرغ الكتمان ، علبة سجائر و جلسة على حافة السور العالي في أمسية شتوية ، أدخن غربتي ، و مشاعر متلاطمة لا أفهمها .
أرميك في برطمان مغلق تحت السرير ، مع باقي الأشياء التي أكرهها ، لكن صوتك يصدح عندما تدق الواحدة ليلا : واجهي نفسك
أطهِّر الورقة من دنس كلماتي ،أفكاري ملعونة و على هدى نواياي تسير البركات ، مدينتي حزينة ، تكسوها خيبات معلقة على هامات سكانها ، تقرصني وجعا و أنا أكره الضعف ...
لأنني أخشاه
لأنه يكسرني
لأنه يشتتني
ليت الانتماء يكفُّ سياطه عني ، رائحة الأزقة ، و الطريق العتيق أمام الثانوية العظيمة ، بيت عمتي متكئ على جدران الذاكرة ، حجارة الرصيف بنت الحنيّة و مواقف خالدة .
مدينتي متعبة ، تجترنا و تتقيؤنا كالمرض ، بطنها تنكمش و تجمعني بك في أوقات لا أتوقعها ، تمزجنا تمزجنا فنخرج منها بُكياّ ، نعشقها كأم رؤوم !
كل زورق في نهر دمي يبحر بنصف شراع من حبها البالي و بعض من مجداف الخيبة و العتاب ، على اليمين و على الشمال يرتجفان ... ستائر الحنين تغرق في العرق .. مبتلة بمواقف و خطايا و بحب دون بذخ .
ماذا نهجر ؟ أبواب الظلم أم نوافذ القسوة ؟ ، هواجس الغيم فوقنا تهمس بنقمة المطر .
علّه يخصّب أرض مدينتي الجدباء ، علّه يروي انطفاء أبنائها الثُكالى .
ثكالى القهر العاتي . ثكالى الظلم الطريد .
أمشي في أزقتها و أرى دموعا متحجرة في المقالي ، تجاعيدا محفورة بعمق في وجوه الآباء و تعبا .. على وجه امرأة .. فقدت رونقها .. لتربي الأطفال على هوامش الإنهاك
أرى النساء في مدينتي يعطين فوق قدرتهن على العطاء. و أرى الرجال يبذولون فوق طاقة البذل . و أبكي دمعا شفافا ، على مدينتي المفجوعة بفقد الراحة و على الراحة التي فقدت طريق السير نحو مدينتي
أظل ساجدة ، تحت ظل الشمس حتى الغد المقدور أتمتم لرب السماوات العُلى ، بعض الهدى .
لي ...
لك ...
و لمدينتي ...

وعد Where stories live. Discover now