48_ إضاءة عابرة

48.6K 3K 1.1K
                                    


"رواية غَـــوثِـهِـمْ"
"الفصل الثامن والأربعون"

"يــا صـبـر أيـوب"
__________________

والله يا خالقي إن العيش بعيدًا عنكَ
أشبه بالكُربة

والتيه عن طريقك في النفوس مثل
ألم الغُربة

فنحن وقلبي لم نجد في رحابك سوى رحمةً
وفي الغياب نيرانًا ولوعةً

اقبلني يا ربي في رحابك،
فأني عبدٌ ذليل يقف على بابك

_"غَـــوثْ"
__________________________________

الطِيْور علىٰ أشكالها تَقع
فَياليت قَلبكَ
يُشبه قلبي ويقعا سويًا،
وياليتها تجمعنا الصُدف معًا،
فربما نكونُ متشابهين كما طائرين،
لكن تذكرأيضًا أن
الطيورلا تَملُك سِوىٰ الجناحين
تُحلق بهما في أفقٍ بعيدٍ عنها
لكنها لا تنسى أبدًا موطنها،
وأنا يا شبيهي كنت مثل الطير غريبًا، وفيكَ وجدتُ وطني،
فإن كان لكل غريبٍ وطنًا يرجع له
فالطَـير أبدًا وأمدًا لن يُنسىٰ عِشهُ.

<"تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن">

صوتها هُنا لم يكن في وقته تمامًا، لم يكن مُرحبًا بها هُنا،
وما أكد هذا هي النظرات التي نظروا لها بها وخاصةً "يوسف" الذي وقف في المنتصف تائهًا ما بين "فاتن" و بين "غَـالية" التي تركت مقعدها وسارت بخطى وئيدة إلى مكان "فـاتن" خطى تشبه خطوات الميت بلا روح، أما الأخرى فتلقائيًا خشيت من اقترابها ولم تقوى حتى على إخراج حرفٍ واحدٍ من طرف لسانها.

وقفت "غالية" تمعن النظر في وجهها وكأنها تتبين ملامحها أو لربما تستنبطها من ذاكرتها، لا تصدق أنها أصبحت هُنا أمامها ولكي تتأكد هي من هذا، التفتت لـ "يوسف" بعينين دامعتين تسأله بنبرةٍ قتلته هو حينما أوضحت مدى القهر فيها:

_هي ؟ هي صح ؟

أومأ موافقًا لها بحزنٍ لم يكن عليه، بل على والدته التي نزلت دموعها والتفتت تدفع "فـاتن" في منكبيها وتضربها بكفيها فيهما وهي تصرخ في وجهها:

_طـــب لـــيه !! ها ليه يا "فــاتن"، ليه تعملوا فيا كدا
ليه تحرموني من ابني ومن جوزي حتى بعد موته، ليه تخلوني عايشة مقهورة على ابني ؟! ليه دا أنا كنت بعادي الكل علشانك، حتى "مصطفى" كنت بقف قصاده علشانك، ليه يا "فاتن"؟؟

كانت تتحدث بانهيارٍ كتمته في قلبها لسنين كثيرة، غضبٌ عارمٌ أشبه بالبركانِ المدفون ينتظر فقط هزة أرضية لكي ينفجر ويخرج من فوهته، اقترب "يوسف" و "أيوب" معه أيضًا فيما وزعت "غالية" النظرات بين الجميع وهي تبكي لتجدهم مشفقون عليها، حينها اقتربت من "قـمر" تسحب يدها حتى وقفت بها من جديد أمامها وهي تقول بنبرةٍ عالية وكأنها حُصرت بين الماضي الموجع والواقع القاتل:

غَــوْثِــهِــم &quot;يا صبر أيوب&quot;Where stories live. Discover now