زواج مدبر

109K 1.6K 121
                                    


:تمام كدة. فيه حاجة تانية؟

قال عبدالرءوف رجل الأعمال الشهير جملته وهو يوقع باسمه على أحد الأوراق أمامه على الطاولة التي كان يتصدرها.

فنظر له هذا الشاب الذي يجلس على يساره بنظرة اهتمام قلقة وهو يأخذ منه الملف و يقول له :لا. كفاية كدة النهاردة . انا شايف انك تعبت . ما كنش لازم أصلا انك تنزل الشغل دلوقت خصوصا ان الدكتور قال انك محتاج لراحة تامة.

فأجابه عبد الرءوف هذا الكهل الذي قد بلغ من العمر ما يناهز الستين عاما وقد بدا عليه الارهاق: لو كنت هسمع كلام الدكاترة هفضل الفترة اللي باقية من عمري راقد ع السرير مش بتحرك ودة اللي مش هقدر استحمله.

فسأله الشاب وهو يحيط بأصابعه القويه كف عبد الرءوف المستند على الطاولة: فكرت في موضوع العملية ولا لسة؟

فتنهد عبدالرءوف في غير ارتياح وكأنه لا يستسيغ الخوض في هذا الحديث ثم قال بصوت ساخر: العملية اللي اصلا مش مضمونة؟ وكمان لو نجحت هتزود في عمري كام يوم؟ يا يوسف يابني انا خلاص بقول ياللا حسن الختام.

تحجرت نظرات يوسف وهو ينظر اليه بلوم شديد وكأنه يستنكر فكرة فقدانه لهذا الرجل الذي طالما اعتبره بديلا عن والده المتوفي وهو لم يتعد التاسعة من عمره بعد . ولذا فمنذ معرفته بعبد الرءوف الكامل التي استمرت لعشر سنوات حتى الآن تعدت علاقته به من الشراكة الى الصداقة بل انه في بعض الاوقات كان يشعر أن هذا الرجل بمثابة الأب الثاني له لذا قال له بلهجة قاسية بها بعض التهديد:اسمع. الكلام دة اياك اسمعه منك تاني. والعملية هتتعمل برضاك أو غصب عنك حتى لو اضطريت اني اجرجرك لاوضة العمليات بنفسي مادام فيه امل.

علم عبد الرءوف من نظرة شريكه الشاب أنه ينوي ذلك فعلا ان اضطر اليه لذا قال له ممازحا: ايه يا يوسف؟ قلبت كدة جد مرة واحدة يعني ؟ ما تخافش ياسيدي هعمل العملية بس لما اطمن الاول على مستقبل مريم!

نظرة يوسف الحائرة جعلته يستمر في التوضيح: مريم حفيدتي. انت عارف بعد وفاة والدها انا بقيت المسئول عنها وخصوصا بعد ما رجعت مصر. فانا لو عملت العملية دلوقت مش هتلاقي حد يقف معاها بعدي وهية مش هتقدر تعيش لوحدها في مجتمع كل اللي تعرفه عنه انها اخدت جنسيته.

فقال يوسف بنبرة حاقدة: أبوها كان لازم يعمل حساب لكل دة. ازاي عمره ما فكر ان هييجي اليوم اللي ممكن يسيبها فيه لوحدها في بلد غريبة بعيدة عن أهله وأهلها اللي هما أحق الناس بتربيتها ورعايتها؟

فسأله عبد الرءوف بنظرة مترقبة : انت لسة مش قادر تسامحه يا يوسف؟

وعندما لم يتلق جوابا قال له برجاء: سامحه يا يوسف ع الاقل اكراما ليا

لم يتمالك يوسف نفسه الى ان ابتسم لصديقه ابتسامة دافئة وهو يقول: تفتكر اني هقدر اكره انسان ميت؟!

غريبة في عالمكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن