الجُزء الأول

15.9K 505 201
                                    




يومٌ آخر، يومٌ جديد، يومٌ مُختلف

ابدأهُ بغضبٍ أكثر، بصداعٍ أجوف، بقلقٍ ينخرُ رأسي، ابدأه بشيءٍ من الصبر و شيءٍ من الكبت

الكثيرُ مما إختلف، لم يكُن مُجديًا، الكثير من المُحاولات، ضاعت كهباءٍ منثور، الكثيرُ من الأفكار تلاطمت، الكثير من الأسئلة، الكثير من الإحتمالات، الكثير من الكثير، و كل هذا الكثير فيّي.

فقط أُشعل الموقد، أصنع البُن، أُلقي بنظراتي الكثيرة على النافذة، باحثًا عن السَماء المُتوهجة، باحثًا عن الغيث أو الريح، و لا أظفر إلا بثلجٍ يعانقه ثلج

أريد أن أصير حرًا مثل طيرٍ وحيد، حرًا بلا علاقاتٍ و صلة، حرًا مع كل ما يملكُه من ألمٍ و خرابات

أن أتحرر من ألمي و قيودي و حتى عُقدي، و لا يبقى فيّي إلا حبٌ مُتوهج، و عذاباتٌ بلا نهاية.

فكيف أهرُب؟ و علامَ سأهرُب؟ و انا من أسجنّني حتى في أشد اللحظات نجاةً، أنظرً لمِعصماي فأُكبلني بعينيّ

حتى في الصمت أصرُخ، حتى في السكيّنة أفزع.

و إن كتبت، فماذا أكتُب؟
أو كيف يستوجبُ عليّ أن أعود مُنهزمًا حاملًا الذُل و صوت طُرقات عُتمة الليل، و حتى سكينتي ترفضُني؟ كيف أترجم الصمت، كيف أقتلعُه و أُنبت محلهُ شوكًا يمنعهُ من التوغل لحُنجرتي مجددًا.

مضى الليل، مضى سائرًا فوق رأسي، راميًا -من غير قصدٍ- ذِكريات، ذِكرياتٍ لم أعشها، مرت أمامي، و جرت، و لم تدخُل فيّي، لم تحرك شيئًا، لم تضع نفسها على رفٍ ما أو إطار نافذة، راحت -بعجلةٍ- هاربةً مني

هاربةً من البقاء جامدةً كل العُمر، من أن أُهملها كما
لم توجد قط، و يمُر النسيان، فيقتلعُها.

لا أملكُ فارقًا بين أيامي، لا أملك أنيسًا يقشعُ أحزاني. وحيدٌ جدًا و لا مطرحًا لي يخلو من الأنفُس، صامتٌ كالليل و لا حرفًا يبقى نائمًا بحُنجرتي.

حتى نَصي هذا؛ ثقيلٌ صعبٌ لا يُستساغ و يجاهد كي يصل لنُقطة إنبتاره. حتى نَصي هذا بنفسه مُتعب، مُتعبٌ من تعبي، مُتعبٌ تماطُلي و بهتانْي، مُتعبٌ من أحرفي المُكركبة و حِمل أحزاني عليه، حتى أسطُري! جميعُها أمست تستثقل حَمل بؤسي عليها، تستثقلني أنا بنفسي.

لا ورقًا عاد يكفيني و لا حِبرًا بقيَ يفيني، لم أعُد أفكر بشيءٍ أملكه أكثر من كلماتٍ و شِعر، لا حُبًا صار يزُورني و لا شغفًا رجع -بعد طول إنقطاع- ليُشعلني.

حتى إني لم أعُد أُزيف و أدعي شيء، لم أعُد أُجمل تعابيري أو أُضيف -قليلًا- من النُعومة لأحاديثي، ملامحي بهتّت فملّلتُ تجديدها، بريدي تفاقم و رسائلي طالَت و لا شيء بي ينوي -بقدر ذرةٍ- أن يرُد. حتى نَصي بنفسهِ هذا لا أبتغيه أن يكون مُتوهجًا أو فصيحًا، بقدر ما أبتغيه أن يكون مني، من حقيقتي و فِراغي، من عيناي الجافة و كفُ يدي المُتسخ، من ثيابي التي بقت طويلًا تُعانق التُراب و العُشب و الثلج، و عيناي التي تُفكر بنومٍ لا يأتي بعده صحو، لا أبتغي لنُقطة منه أن تحوي شيئًا من الحُب، ولا رجُلًا أبتغيه.

VK| مَشهدٌ مِن نافِذةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن