الجُزء الثالث عَشر

3K 253 94
                                    




لِمَ قد يختار المرء أن يصير شيئًا بألمهِ يسيل؟


لِمَ لا تتوقف الأشياء عن كونها حَتمية، موجبة، أو حتى تُذبذب وقعها المُتواصل؟


سينتهي هذا اليوم بخساراتٍ شائكة أعدُها على عشرة أصابعٍ مجروحٌ تاسعها، يومٌ أنامُ فيهِ سهوًا و أُفوت إنعكاس زُرقة الفجر على وجهك. يومٌ ملول، لا تزور أصابعك بهِ شغف، و لا ألتمسُ بفراغ لوحتي الصغيرة سِوى رغبة التلطيخ المُبعثر. كأن ما فيّ يُحاكيني، كأن جوفًا عميقًا من الضبابية يزداد مع إختناق نَفسي، شيءٌ من الحُرقة، مثل الوكز المؤلم، أو المرارة المحبوسة. قد ينقضي يومٌ آخرٌ و تُغادر شمس الغُروب سماءها، و يبقى شمسُ الأرض المُتلحف بمعطفهِ القديم، في أحد أركان الأرض يغوص بأفكاره اللامتناهية.


بعد فترةٍ توالت مُنذ أول ليلة إنحصرَ فيها البدر بين السُحب و تكومت كل أنواره المنقوشة على وسادتي، حين أشعلني لهيب التناقُضات البارد، و أغاص تقلُص أنفاسي في دلو اليأس المنخور، وَهجت في رأسي حُلكةٌ تُنار، تفجرَ صدري في ليلٍ واسِع من تُراب نُجومٍ تتناثر، من شجرةٍ أُخرى قَبّلت إقبال الرياح على شعرك، غَمرني تزاحُم الشُهب، من غُروب جفنك الواسع بكل ما يحويهِ من دفءٍ محجوب، شعرتُ نيلية الليل في روحي تتنفس، شعرتُ بأطياف الحياة بكل أطوارها المُتجددة.

لم يكفيني وَلع، لم تسعني لُغة، لم يكُن ما فيّ قابلًا لأن يوصف، لأن يُقرأ، غزاني عجزٌ خانق يطحن سُكوني، إستحكني قلبي قبل يدي، و أردتُ بكل الرَغبة، الإحتياج، الموت، أن تلمس أصابعي وجهه.


أردتُ لهذهِ المرة -و لمرّةٍ واحدة- لن تتوالى خلفها مرّة، أنّي شلالٌ مُحترق من الزُهور الأرجوانية القاتمة، بعيدًا.. بعيدًا عن كل التُرهات و اللغو، في بُعدٍ آخر، دون وجوهٍ تُحيطني و لا ظلٍ يُعكر عمل الضوء، إلتهمتُ حِبر الحُب على رسمي بخوفٍ متأجج برهبة، و كتبتُ الكلمات من عيني قبل أصابعي، لم يكفيني الوَرق، فخطتُ على عظام كتفي رغبةً بالبقاء الأبدي، وددتُ بكل ما في الكلمة أن أبقى، و أجاور الشَفق، وددتُ أن لا أنام مُتحسرًا دون مُجاورة وِحدة السماء طويلًا، حيث تكون أنتَ أسفل شجرة الخريف المُتساقطة، تُحرك الخيالات و تواليها على ذهنِك -دون أن أكون أحدها- و تضُم شعرك المُتطاير برَبيعية خلف أُذنك بين كل حينٍ و حين.


وددتُ أن أبقى مأسورًا في أعالي ذلك المَشهد، تجاور حُلكتي جسدي، يرتفع الهواء في صدري، و يمتدُ قلبي من النافِذة مُشاهدًا إياك قبل عينيّ.

طويلًا مُمتدًا بكل ذلك الوقت المحصور، أو بشكلٍ كافي كي أُشفى من ورم المزاج الوعِر، و أن اسأل اللاوجودية فيني، كيف قد أكون شيئًا يملك كل شيء، دون أن أخسر كل شيء؟ قد تغمضُ إستفاقتي في كوابيسٍ أنهكت أماني المسلوب قبل قلبي الهلِع، قد يُعانق العُشب الرطب ظهري بدل صوت الغطاء الذي لطالما أثار فيّ شيئًا مُريبًا من العُنف المدفون، الرغبة الطاحنة، بأن أقتلع بأظافري هذه النفس المحبوسة و أرميها طليقةً خارج أسوار جسدي الناقص دون جناح، و الخانق دون رياحٍ تداعب أضلاعه.


VK| مَشهدٌ مِن نافِذةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن