الجُزء الحادي عَشر

3.3K 247 95
                                    



يدورُ في عربة بائع الحطب، فتيلُ الشتاء. يتسرب من ملامح جُدران الشارع، إبتساماتٌ لا تُرد. تتنهدُنا السماء، فنخرُج منها كخطيئة، كحَسرة، و كإرتياحٍ في آنٍ آخر.

تتناثرُ نُجوم الأرواح المُغادرة، تبتهل وطيد الشُعلة المُستنارة الأخيرة، و تُحلق باحثةً عن منفى غير الأرض لتطير به أو تعوم.

تُحشر ذكريات الأتربة الهاربة من حتمية النِسيان، بين إظفِرٍ و جلدٍ فاني. تُكتب محاولة البقاء، على حائط الغَد المُتهدم. تحاول الأشياء كلها أن تبقى، تحاول، تحاول، تحاول، تبذلُ الأفكار الجُهد، تحرق الخدوش نبض الألم الحارق، حتى تفِر من حتمية الفناء.

و لكن لِما أنا كالجُذع مغروسٌ بتلقائيةٍ فيك؟ أو أن حُبك هو ما غُرِس فيّ؟ كيف قد تطرق أصابع الإعتياد الباهِتة هذه الفِكرة المُنزوية بداخل بابي الأصم؟

قد أقول أني لستُ شيئًا، لكني و حتى بذلك سأصير، قد أمضي في دربي مثل سحابٍ تُحركه رياح الساعات المُنهمرة دون جدوى من إيقاف تدفُقها المُتزايد كجَريان السيل، و أعيش دون لون، بوجهٍ فارغ، دون ملمح أو أي تعبيرٍ يُبصر، مع هذه الأفكار في رأسي أستطيع قتلي دون حاجة لحِدة الفأس، بهذا المرض، هذا السواد المُتراكم بأطراف جُفني و أهدابي الصامتة، أقدر على دفني حيًا بيداي العارية، و أتماشى بعدها مع كل ما أرى و أفعل.

حين أبصرتُك في أوائل أيام الإثنى عَشر رَبيعًا، كُنتَ كنهاية شمعةٍ ذائبة تحاول -رُغم إنقضائها- إنارة حُلكتي، رحلتَ كخريفٍ مُسرع، و أبقيت أوراقك اليابسة مُتناثرةً في روحي المشوشة بفُقدان الأمل.


و حين تراكمت الصِدف المُترجية لمُحاولة لُقياك، لمحتُ طيفك في أواخر ليالي الثامِنة عَشر المُنطفئة أكثر من حُلكة سابقتها ، إرتجفَ الدم في أوردتي كهيجان البَحر، و أحسّست بروحي ترتجفُ من هول الشُعور. عشتُ سنوات مَطلع بلوغي بتوهانٍ دائم، أيامٍ مُتشابهة لا تجلبُ سِوى لوعة الإحساس الخانق، عشتُ كرجُلٍ من ماء، لا يُعكر جُمودي شيء، و لا تستطيع بَهجةٌ تلويني. و لكن هذه الرَغبة العَذبة قادتني أكثر من أي شيءٍ آخر كان يُحيطني، أردتُ أن أكون بحضرتك.. مُنتزعًا من شِحة الإبتسامات، بشوشًا حَد أن يغطيك ظِل بَهجتي إن -في أحد الأيام- جاورتُك، أردتُ أن أُمطر مثل الغَيم على وجهك غيث عُصارة الراحة المُغدق.


" أريد أن أرى نُجومًا أكثر "
إلتفتُّ لإنهمار صوته أخيرًا على أُذني، أشعرُ إني بخيرٍ الآن، هرب الخواء، لاذَ الضباب الشفاف فِرارًا و تلى الشهيق الناجي من الإختناق وعيّ.


نظرتُ نحو عينيه المُصوبة على إنقشاع لون الفَجر من السماء رويدًا بنُعومةٍ فائقة. مُنذ دقائقٍ صامتةٍ طِوال نقف كلانا فوق عُلو التَل الشاهق، يُسامر هو السَماء و أُسامر أنا من الخلف جانب وجهه الأيسر. و أتسائل في داخلي المريض إن كُنت سأقدِر، ليوم، لساعة، للنِصف، على أن أنكف عنك، و أترُك طيفك يخلو من روحي حَد أن أموت خواءًا؟

VK| مَشهدٌ مِن نافِذةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن