الجُزء التاسِع عَشر

3.2K 187 116
                                    



هُنالك مَدينة، حيث للحُلم المُنكسر صوت

هُنالك زُقاق، يُشاطره الصَدر ضيقه

هُنالك ضحِكاتٌ تُبتر، و أمانيٍ دون إنكفافٍ تُزهر، هُنالك وجوهٌ.. على جسر البَحر الفَسيح، تَمرُ دون تنهُد، تُثقل دون حِمل.

هُنالك حُزنٌ مُتكتل غضوب، يدوي في صدى الأشياءِ.. و يذوب، حيث ينبتُ لظُلمة الليالي القارِصة إرتعاش، حيثُ تُهجر الألحان، و يُهمل مُنحصرًا في صمتهِ الكمان، في مَقعدٍ يمكث عليهِ ظهرٌ مُنطوي، سيتحدبُ من فَرط الإنحناء، هُنالك نَفسٌ مُرتجفٌ مرير، عيونٌ ضجرةٌ خاوية، و أجفانٌ تُصارع الإنسدال.

هُنالك كثيرٌ من كل القليل، و عميقٌ من كل ظاهر، و أنا؟ أنا وجهُ الوِحدة الواحد، أنا رفيق نفسي الغريب، أنا الجسد الذي لا أملكُني، و الظِل الذي لا أتبعُني، أنا كل الأماكن المَهجورة الخالية، كل عَدمٍ، كل خلاءٍ، كل إنقطاع.

أخِلتُني في يومٍ حقًا أعرِفُني؟

أسادَ الصَمتُ فيّ، مثل طمأنينة مُستقِر، و لم تجُل الأفكار، أو تُطحن الإحتمالات، و الشُكوك، و الأنظار. أنا تائهٌ في كل شيءٍ و فيّ أنا نفسي! لم أعُد شخصًا آلفُه، لم أعد بُزوغًا أعلمُ إنه -بعد كل هذه القُتمة- قادم، أشعرُ إني لم أُصفَع بقسوة، و لم أنتهي و أُترك بأشَد الخذلان، كان ضياعي باردًا، لا ملمسًا، لا أثرًا رنان، لم أحِسه، سرى مثل السُم الهادئ في جلدي، مثل الوداعات المُحتمة، مثل كلمةٍ جَثت أسفل الحُنجرة، و خَرجت في دمعةٍ تُعلن إكتفاء، مثل إني و في يومٍ ما، صحوتُ وسط فَجرٍ قَدِمَ يُجرجر إنهاكه، نظرتُ في كفاي، في عيني طويلًا، و الخاتم في يُمناي، و جهِلتُني بغُربةٍ أليمة.

مُنذ ذلك اليوم، مُنذ غادر ظِلك صدى الخشب، و غلقتَ الباب بهدوءٍ ينكبُ ألمًا على صدري، هَمشتني الوَحشة من كل صوب، شعرتُها تمكُث فوق كتفي، بين مفاصِل يدي، في فجوات أصابعي، في حواف الورقة، و النافِذة، و القَلم. أحسستُني دَربًا ضلَ طريقه، نارًا ببهوتِ أخفقَت، أحسستُني موجًا هائجًا، رَكدَ بأشد ثبات.

معكَ كُنت أستسيغُ حُزني، واعيًا على وجعي، كنتُ مُحطمًا! لكني عالمٌ بألمي، مُشيدًا نظري على جرحي، دونكَ الآن أنا عومٌ.. غزيرٌ، مريرٌ، لا مُنتهي!

لا أظُنني أعي نفسي، و إن كُنتُ لم أعي قبلًا، لا أظُن أي وجهٍ يُحيطني، مثل وجهِك أنت، لا أظُن أي صوتٍ أسمعه، مثل صوتِك أنت، سَلبتَ منّكَ مني، لممتَ أذرُعك، و قُدت في الوقت طويلًا، طويلًا حتى أشُك، و يتخلل الهَلع لُبي، إنكَ أبدًا لن تعود.

أشعُر إني رُميت فيك، أو.. أو حتى رُميتَ أنتَ فيّ! قد لا أعرفُني، قد لا أعلمُ في حالٍ أمسيت، لا أُميز حُزنًا أو سَعدًا، و كل الأوقات و تعابيرها تبدو مُتماثلةً متناظرة، لكنَ شيئًا مني، مُتلهفٌ دومًا إليك، كل العوائق، و اللمسات، و الحديث المُبتلع، ينغزُ صدري، و يبحثُ بكل مَدمعي عن ساعديك، و بكل جراحي لتُطبطِب عليها كَفيك.

VK| مَشهدٌ مِن نافِذةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن