الجُزء التاسِع

3.2K 272 94
                                    



شيءٌ كالسواد، كالإختناق القاتِم، أغمق، أعمق

شيءٌ كغرس غرق البَحر في قلبي، ذات الخوف، ذات الشهقات المُمزقة للحناجر، ذات الدُموع التي هيَ كزيف الإبتسامات يُستحال لها أن تُرى، شيءٌ قاتل، مُغترب، غير مألوف، موحِش

لا أعلم حتى أين أنا، و لا أقصد مكانًا وجوديًا، لا أعني أين جسدي، بَل هذه النَفس التي بها أكون، أينها؟

أحسُ الآن حقًا أني أضعتُني في مكانٍ بعيدٍ بين الزُحام، أحسُ بلوعة رجفة الخوف تمزقُني فُراديًا إلى أشلاء و تنهشُ أي قطرةٍ تبقت من إدعاء الأمان، شيءٌ مُسننٌ مثل غلاظة غصنٍ مُتيبس، ينبش، ينبش، ينبش، يُميتني، يزرع الجزع في عُمق أنفاسي المهدورة، لا جدوى من الصُراخ و اللغو، لا جدوى حتى من السُقوط جاثيًا، لا تهرب، لا تلتفت، لا تفزع، فما الطائل من هذا، و أنت من تحاول الفِرار منه؟ ما الفائدة و أنت من يبتلعُ السواد نفسك من الداخل، أنت.. أنت الظِل، أنت الوساوس، أنت العُقد

أين النجاة من غزارة تدفُق سيل الأفكار؟ أين المهرب من نَخر رأسي المُتصدع و حُرقة الإنتقام الضعيفة في صدري؟


و مُجددًا ها هو ذا ما أخشاهُ يصير، أجل خشيتُ النوم جدًا، خشيتُ الفزع الذي سيداهمُ عقلي الخامل بصُحبة ذكريات ما جرى، خشيت على نفسي حتى النوم لأن لا أحدًا قد عرفني مثلي!

حركتُ ثبات عيني من السقف بعد وقتٍ طويل أجهل قدره بقيتُ به بثبات جسدي المُتحطم أنقل الحُزن من نظري إليه، فإن كُنت سأستقيم بجذعي التعِب في يومٍ قريب، سأعيشُ الحُزن الآن بأدق حذافيره حتى يضجر من إرتدائي و يرميني كثوبٍ سيُعاود إرتدائهُ في غدٍ بعيد

سأبتلعُ حُزن خسارات فُقدي المكسور و سأبكي ما إستطعت، لن أدعي تخطيًا، لن أُمثل قوةً زائفة و لن أحشر أصابعي في فمي لأتقيئهُ مني رُغمًا، فحتى إن راوغتُ الألم طويلًا و هربتُ حيثُ طريق الضُعف المُغطى عُشبًا يدعي دون جدوى تحمُل لهيب الشمس الحارق، سينكز كتفي في ليلةٍ ما -أو نهار- إصبع الظلام الذي تجاهلتهُ في أوج إشتعاله

إبتعلتُ ريقي الجاف و إستقمتُ من الأريكة التي كُنت مُمددًا عليها، أنظرُ حولي حيث الغرفة الواسِعة جدًا مع أرفُف الكُتب المتواجدة بكمٍ هائل يفوق ما أملكه و لكنها كانت تبدو عكس خاصتي مُرتبةً بحذرٍ شديد

أهي لجونغكوك؟ أهذا المكان ملكهُ أصلًا؟ كل ما أتذكرهُ هو فقداني للوعي أمامه حال إنقضاء آخر قطرة مُقاومة تبقت في جسدي بعد أن ركضتُ و صرخت لوقتٍ يكفي أن يُزيح كل قوةٍ أمتلكها

أمسكتُ بمقبض الباب الذي لمحتهُ عيني في زاوية الغرفة و خرجتُ أتبع رائحة العُذوبة التي إكتسحت أنفي بفرط، مشيتُ في خُطى خلت من التردُد رُغم سعة مساحة المكان الهائلة و تبعتُ عبق القهوة الذي كان يتطاير بإنسيابية في الأرجاء

VK| مَشهدٌ مِن نافِذةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن