الجُزء الخامِس و العشرون

2.2K 178 136
                                    


يجرِفُني القلق

تقودُني الهاوية نحوَ هاويةٍ أُخرى

و أستطيع أن أشُعر بالأشياء - و حتى نَفسي - تُحدق بي بقدرٍ مُريع مِن الترقب. الأمرُ لا يُشابه أن تَمشي في طريقٍ مُستقيم ثُم تحمل عبء العودة للخَلف لأن لا ضياعًا هُنا ليتربص بك، لا يُشابه مُحاولة الغَرق و أنتَ تُجيد السِباحة، لأنك في مُعظم الأحوال قد تلتقِط - قبل النَفس الأخير - فِكرةً، أو سببًا، أو رغبةً أخيرة، لتُحلق فيها مُتمسكًا بروحك، ليس قضم ظِفر، ليس إرتجاج قَدمٍ مُلتاعة، و ليس واقعًا بحتًا لا تجرؤ الوَساوس و الأوهام مِن الإقتراب منه و جعلهُ مُرعبًا و مُميتًا أكثر.


أطفئتُ السجارة السابعة على المِنضدة أمامي و حملتُ ذاتي المُثقلة مِن مُجرد النظر لأمشي مُتوجهًا أمام النافِذة التي تطلُ على باب المنزل


أتساءلُ لأي قدرٍ ستستطيعُ عاطِفتي إغراقي بكمٍ أكبر من الخَوف؟ أنا خائفٌ دونَ شيء، حتى إن كُنت مُتأكدًا أنهُ سيعود، حتى إن كُنت أُجزم تمامًا إن الليلة لن تنتهي إلا و هوَ قابعٌ أمامي، سيستمرُ القلق في نَخري و هذا ما في عَقلي فقط، و الآن أصبحت العاطِفة معي كسببٍ آخر يَقضي على آخر ثقبٍ قد أتنفسُ و أنجو منه

قلبي في حريقٍ كبير مِن المخاوف، عيوني توشك على ذَرف دموعِها في ثانيةٍ ما ثُم تُختزن في حُنجرتي بثانيةٍ أُخرى، إتصلتُ بهِ الآن و كثيرًا من المرات لكنهُ مُجددًا و مُجددًا لا يرُد! أرسلتُ له أربع رسائل في غُضون الخمسين دقيقة التي أمضيتُها في إنتظار، و لا رَد، لا حرفًا واحدًا حتى لأُهدئ بهِ قلبي.


" فقط أُصمت قليلًا.. أُصمت! "

أصرُخ و الدِراية بإنعدام النَفع بذلك بأكملي تعتريني، أشدُ على شَعري و أنا لا أودُ إقتلاع شيءٍ سِوى أفكاري، سِوى كارثتي الأزلية، سِوى الأصوات العالية بداخِله التي تجعلُ مِني ثائرًا و مُرتابًا و مجروحًا أكثر. أعلمُ أنني أُبالغ، و أعلمُ أيضًا أنني أستطيعُ أن أضع كمًا غير مُنحصر من الأسباب المُنصِفة لتفسير غيابه، لكن هذا السُكون لا يبدو شيئًا واردًا بداخِل عقلي، كما أنني أتوقُ إليه و هذا سببٌ آخر يجعل لهفتي حارقةً أكثر و ينتزعُ الصبرَ مني إنتزاعًا تام، ماذا لو أنَ مكروهًا قد أصابَك فيُصيب بَعدها روحي؟ ماذا لو كُنتَ غاضبًا مني دونَ أن ألحظ فأطلتَ بذلك الرَحيل؟


لستُ خائفًا من خسارة أي شيء، لا شَمسًا، لا مَطر، و لا حتى نفسي، لكنهُ في هذهِ المرة أنتَ من سأخسر


أُريد رائحتك، و أُريد مَلمس حُضنك الحَنون و هو يلتفُ حولي كرَبيعٍ أبدي، كإنتهاء الحُزن في فؤادي، أُريد في حجرك البَقاء، أُريد وجهكَ بِلا إنتهاء، أكرهُ التفكير في صُبحٍ أصحوهُ دونك، و خُطوةٍ أخطوها دونك، و أكرهُ الليل، و الرياحَ و الشِتاء و الموسيقى و الغُروب و السَحاب، إن لم يكُن كُل هذا يُعاش معك، روحي ترفُضه، و قلبي يفُر منهُ هاربًا. صعبٌ أن أنام، صعبٌ أن لا أقضُم شِفاهي قويًا حَد إستطعامي للدِماء تنسابُ منها فوق لساني، أشعُر بغصةٍ هائلة تجثو في حُنجرتي، و كأنَ داخلي أصبحَ قاحلًا فجأة، خاليًا منكَ و من كل بَهجة، هذا ما يقودُه الهلع نحوي، هذا ما يجعلُني بهِ أعيش، يعدِمُ صلابَتي مني و يعدِمُ كل صِفاتي الأُخرى


VK| مَشهدٌ مِن نافِذةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن