الجُزء الثاني و العشرون

2.2K 164 68
                                    


كيف أواصِل العَيش؟

ينغِزُني هذا التساؤل، ينبشُ فيّ أكثر مما أنبشُ فيه، يُميتني، يحومُ حول عقلي حتّى الضَجر

كانَت الأفكار الرَمادية تنهالُ فوق رأسي بإعتياديةٍ مُتواصلة، تُجرد الروح مِني و تُصبح هي ما أرى العالم فيه، كانَت التساؤلات السوداوية جدًا، تُجاورني مِثل صديقي المُقرب، ثُم تذهب في نِهاية المَطاف لتُفسح المجال لأُخرى تَليها، كانَت المُرورة مُعتادة -لشَخصٍ مِثلي- يُجاور نفسه، يأكلُ مع نفسِه، ينامُ مع نفسِه، يمرضُ و يصِح مع نفسِه، كُنت أُفكر، و لم يؤنسني و يُعذبني بذات الآن شيءٌ غير ذلك.


لكنني أحسستُ في لَحظةٍ عابرة ما، مَرت دون أن تَقصد المُرور، بصِدفة، بِعشوائية، أو بِلا مُبالاةٍ دفعت الرِياح هذهِ اللحظة نَحوي، و إلتصقَت بأهدابي لتنقادَ بعدها إلى باطِن فِكري، لتُصيبني مِثل مَرض، باللا رَغبة، بالإنهاك مِن كل شيء و مِن لا شيء، بالتوقف المُزمن، بالجُمود العارم، لا أريد الغَد، لا أريد بعد الغَد، لا أريد الأسبوع القادم و الشهر القادم و السَنوات القادمة، لا أحتَمل ساعةً أو دقيقةً أُخرى تَمرُ فيني، كأنّي تجردتُ من كل شيء، من الألوان من الذِكريات و من الأُمنيات التي رجوتُ طويلًا طويلًا أن تَصير، و لم يُقابلني غير صَفعة إنخذالٍ منها.


لن أودَ أن أصير، لن أودَ أن أطير، لن أودَ شيئًا لا يودُني!

لن أودَ يومًا آخر أقضيهِ بغير الإنتظار، لن أعزف على الكمان لَحنًا أخرس ينتظرُ أن تُكمله أُغنية، لن أبتسم بغير رَغبة، لن أسمع ثَرثرة أحد، لن أتحدث مع الكُثر و في داخِلي ألف صوتٍ يُخبرني أن أصمت، مللتُ هذه المواصلة المَيتة، التي إنتزعتني مِن نَفسي دون دِراية، أو أني أنا الذي تشبثتُ بها كأملٍ زائفٍ أخير أقضي بهِ أيامي، و أنا أعلم في حقيقة الأمر؛ أنني لا أودُ هذا ولا ذاك.



" امم- أُريد أن أُساعدك "
نفضتُ أفكاري و تحدثتُ بتردُد أمسحُ آخر ما تبقى من دُموعي بباطن يدي بينما كُنت أجلس بجانبِه على المقعد الآخر من السيارة و أنظرُ في الحُروق الفَتية في ذراعه و البعض من كتفِه أثر سُقوط خشبةٍ مُحترقة ضخمة على يده في وقتٍ سابق عند خُروجنا.


" اوه حقًا؟ تبدو مُتعبًا بِما فيه الكِفاية، لا بأس أستطيعُ تدبر أمري "
قال بعد تحديقٍ مُطول ألقاهُ على كل شِبرٍ في وجهي و شعري و يداي و ثيابي. ضغط لسانهُ على وجنتِه و أعادَ شعرهُ للخَلف بينما يجلسُ أمام المقود و يتكئ بجانبه على النافِذة.


VK| مَشهدٌ مِن نافِذةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن